فضائح يومية ومن له يعطى ويزاد

د. كمال معوض

لا يختلف اللبنانيون كثيرا على أن الفساد لم يكن بهذه الدرجة من التفشي في أي مرحلة سابقة. لكن هذا الإتفاق لا يغير في الواقع شيئا طالما أن الإنتخابات لم تغير إيجابا في المشهد السياسي وطالما أن الإستكانة الى هذا الواقع تميز الشعب اللبناني.

لا يكاد يمر يوم إلا ونكتشف فضيحة جديدة تكون أحيانا معلومة منذ زمن بعيد لكن تسلط الأضواء فجأة عليها، فتزيد من ذهول البعض ومن قرف البعض الآخر. لكن كل الفضائح المتتالية لم تحرك كفاية لا مسؤولين ولا أكثرية شعبية لتطالب بالمحاسبة الحقيقية بدءا من تغيير الطاقم السياسي الفاسد بمعظمه.

وهكذا أطل علينا في يوم واحد خبران كفيلان بتحريك أكثر الشعوب بلادة، وهما سينضمان على الأرجح إلى مراجع إضافية للتنكيت اللبناني غير الهادف. في بلد يفوق دينه العام الـ 81 مليار دولار، وهو ما تخطى الـ 153% من ناتجه القومي، يتبين أن حوالي 200 مليار ليرة تصرف سنويا لشراء بنزين للسيارات الحكومية على إختلافها وأن أحد الأجهزة العسكرية يصرف 9800 صفيحة بنزين يوميا.هذه المبالغ الخيالية تهدر في معظمها ولا يجرؤ إلا قليلون على كشف هذا الهدر المتمادي منذ عقود.

أما فضيحة القروض السكنية المدعومة، أيا كان المسؤول وأيا ستكون التبريرات،فتتميز بالبراعة في التحايل على القوانين، وحيتان المال اللبنانيون يعرفون جيدا كيف يغلفون عملياتهم بقشرة كاذبة من القوانين المطاطة. عندما تحصل مجموعة تابعة لعائلة متخمة ماليا من أصحاب المليارات على قروض مدعومة من مصرف لبنان تبلغ أكثر من 14 مليون دولار، وبشكل أعم عندما تكون الأولوية لكبار الأغنياء والمحظيين من أتباع المسؤولين,في الوقت الذي تحجب القروض عن الشباب من عامة الشعب، تكون كلمة إستغلال النفوذ كلمة لطيفة جدا في وصف حالة الفساد الذي ينخر جسد الدولة اللبنانية.

ستكشف الأيام القادمة عن فضائح إضافية تنضم إلى أخواتها في الكهرباء والأملاك البحرية والمقالع والكسارات والجمارك والدوائر العقارية والقطاع الصحي والمصرفي وصولا تقريبا إلى أي نشاط، طالما أن أولويات السياسة بالنسبة إلى أغلبية اللبنانيين تبقى حصص وخصوصيات القوى السياسية،على رغم أهمية هذا الشق في بلد يغرق أكثر فأكثر في المستنقع الطائفي المقيت.

أغلب الظن أن النهج المتبع حاليا في مواضيع الفساد,إن كان على المستوى السياسي والحكومي أو على المستوى الشعبي,يبعدنا عن تحقيق الحد الأدنى من الشفافية وأن حيتان المال قادرون على زيادة ثرواتهم إنطلاقا من مبدأ “من له يعطى ويزاد”. ويبقى الأمل أن تعيد “الشعوب” اللبنانية تحديد أولوياتها وتخرج من كبوتها العظيمة وتتجه نحو قضاياها المطلبية والاقتصادية فتحاسب الطبقة السياسية على هذا الأساس وتساهم بفعالية في تجديد النخب والأحزاب السياسية .

(*) نائب رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي