قمة ترامب-بوتين والوظيفة الروسية الجديدة في سوريا!

منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني مطلع أيار الفائت، عاد موضوع إدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب إلى دائرة النقاش في الإدارة الأميركية، بين مؤيد إبقاء الأمر على حاله، وبين مطالب بوضع الحرس برمته على لائحة الإرهاب لتطبق عليه شروط العقوبات وليس اختيار بعض الافراد كما هو الحال اليوم، وبات من الواضح أن الأمور تتجه وفق هذا السياق.

هذا يعني أن الإدارة الأميركية قد نقلت موقفها في الشأن الإيراني، من موقع الاحتواء الى مستوى الصراع مع الجهاز الرئيسي الحاكم في ايران، وبالتالي ستضع الإدارة الأميركية نفسها في موقع القطع مع نظام الجمهورية الإسلامية إذا ما اتخذت هذا القرار، وفرضته على حلفائها الأوروبيين وغير الأوروبيين، فلمثل هذا القرار تداعيات قاسية على أكثر من شأن مرتبط بالمسألة الإيرانية.

هنا الموقف يشير إلى أن الإدارة الأميركية بصدد إعادة تصميم طريقة الهيمنة والسيطرة على مختلف القوى الكبرى في العالم، ومن ضمنها روسيا التي أبدت درجة من التحدي في النفوذ على البلدان المحيطة بها لا سيما تلك التي كانت في عداد دول الاتحاد السوفياتي، وأبدت شيئاً من التحدي في مسألة شبه جزيرة القرم وطريقة ضمها، إضافة الى دورها في سوريا، إذا وضعنا هذا الدور في سياقه التصاعدي منذ العام 2013 حيث تلقفت موسكو طابة الكيماوي السوري بصدرها واقطعت الطريق عن البيت الأبيض وسيده في ذلك الحين من الإمساك بزمام الثورة السوريا، بدل أن نعتبر ذلك استدراجا اميركيا لروسيا الى الوحول السوريا.

وإذا رصدنا التطورات التي تحيط بالمجموعة الأكثر تشدداً في الإدارة الأميركية لمناقشة ماهية الملفات وماهية الوظيفة التي تقع خلف لقاء القمة الأميركية – الروسية التي يتم إعداد لها في 16 تموز الجاري بين سيد البيت الأبيض دونالد ترامب وسيد الكرملين فلاديمير بوتين فإن أسئلة عديدة تطرح نفسها في هذا السياق قبل الوصول الى تحديد الملفات المدرجة على جدول اعمال القمة والاستنتاجات المتوقعة منها.

1. لماذا سربت الخارجية الأميركية خبر عدم إدراج موضوع (شبه جزيرة القرم) على جدول أعمال المباحثات بين الرئيسين التي ضمها بوتين الى روسيا، إثر الأزمة الأوكرانية وكانت سببا في تصعيد العقوبات الأميركية – الأوروبية على موسكو، وتصعيد مستوى التحديات بين البيت الأبيض والكرملين.

فأن يتم إزاحة هذه القضية المركزية عن جدول أعمال قمة الزعيمين، يضع أي متابع لهذه القمة امام قراءة مختلفة لسياسة واشنطن الجديدة تجاه المسائل العالقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي، فهذا التجاوز والتجاهل لمسألة شبه جزيرة القرم يؤشر الى وجهة نظر جديدة في الإدارة الأميركية لأساليب الهيمنة، الممكن اعتمادها في علاقة الإدارة الأميركية مع حلفائها قبل خصومها.

2. لماذا كان إصرار وزير الدفاع الأميركي في مؤتمر ميونخ للأمن الدولي بأن أوروبا لا تستطيع حماية نفسها وأن 90% من مدفوعات حلف شمال الأطلسي من الخزينة الأميركية، وأنه لا مجال للحديث عن مفهوم مستقل للأمن في أوروبا بمعزل عن الولايات المتحدة الأميركية، كما طرحته وزارتي الدفاع في كل من ألمانيا وفرنسا.

موقف وزير الدفاع الأميركي هذا ينطلي على الإهانة والتحجيم للاتحاد الأوروبي وللقوتين الرئيسيتين فيه، وبالتالي يمكن القول أن واشنطن قد تستخدم موسكو كعصى غليظة بوجه حليفتها أوروبا بمعزل عن المشكلات معها الكثيرة، وحتى لو كانت تلك المشكلات أشبه بالتحديات المستمرة؟.

فهل أعطت موسكو مؤشرات إيجابية لواشنطن، أبدت فيها استعداداً للعب دور العصا الغليظة في أوروبا والتي تمارسها في سوريا من خلال ضربها كل القوى العسكرية المعارضة للنظام بكافة أطيافها، وتمارس الآن وقبل اندلاع معركة الجنوب الضغط على الحرس الثوري الإيراني للخروج من سوريا، حيث برزت بوضوح “القطبة الخفية” التي تربط علاقة موسكو بإسرائيل، وبموقفها المعلن من التواجد الإيراني في سوريا.

3. في قمة الدول الـ7 الصناعية الكبرى التي انعقدت في أوروبا مطلع شهر حزيران الفائت، والتي كانت تسمى مجموعة الدول الثمانية، قبل إخراج روسيا منها بفعل العقوبات التي فرضت عليها نتيجة قرارها ضم شبه جزيرة القرم. كانت تصريحات الرئيس ترامب واضحة، بأنه “على روسيا العودة الى تلك المجموعة”.

هذا الكلام يندرج في سياق المواجهة الأميركية – الأوروبية، ويلخص نظرة الإدارة الأميركية لتلك المسألة، وبالتالي نحن أمام فهم جديد للعلاقات التي تربط الولايات المتحدة الأميركية بعواصم الدول السبعة العالمية، فالإدارة الأميركية الجديدة مارست أسلوبا مختلفاً عن الإدارات السابقة، فالبيت الأبيض يريد الوصول إلى أهدافه المحددة ويرغم المؤسسة الأميركية على ضبط استراتيجيتها بما يجعل هذا الهدف جزء من المصلحة الأميركية العليا المباشرة مهما كانت أولوياته السابقة في تلك الاستراتيجية الطويلة أو القصيرة الأمد، وهنا يكمن اختلاف منطق الرئيس ترامب عن من سبقه من الرؤساء، ومن موقعه كرجل أعمال يذهب نحو تحقيق الأرباح المباشرة والسريعة وبـ (المفرق)، ويتعارض مع عقلية المؤسسة الأميركية التقليدية التي انتهجت منطقاً آخر بعيد المدى وغير مباشرة ويراعي مبادئ التعامل بـ (الجملة).

لذلك فإن النظر الى نتائج القمة الأميركية – الروسية المقرر عقدها في العاصمة الفنلندية في 16 تموز الجاري، يستدعي النظر الى ما سبق انعقاد القمة الأميركية – الكورية من ضغوط شديدة أميركية على الصين، وتهديدها بإجراءات اقتصادية كبيرة إذا ما قامت بالضغط على كوريا الشمالية لإجبارها وجرها الى طاولة مفاوضات تتناسب والمصلحة الأميركية، هذا النموذج يمكن مقاربته مع موسكو باعتبارها أمام وظيفة جديدة في سوريا، قبل ترقيتها إلى وظيفة العصا الأوروبية، وذلك من خلال إقرارها العمل على إنهائها الوجود الإيراني في سوريا، هذه الوظيفة تنسجم مع المصلحة الإسرائيلية، ومع التفويض الأميركي لإسرائيل بضرب مواقع الوجود الإيراني العسكري في سوريا، فإذا أعلنت واشنطن أن الحرس الثوري الإيراني بمجمله على لائحة الإرهاب، سيكون ذلك ملزماً لبوتين قبل الوصول الى موعد القمة بتبني سياسات جديدة، ومتعلقة بالموقف من النظام الإيراني، ومتعلقة أيضاً بالدور الروسي في سوريا.

ما تقدم يجعل الاستنتاج الأولي لهذه القمة، بأنها جزء من العمليات الموضعية التي يجريها ترامب ليس ضد ايران فحسب، فإذا استطاع ترويض الموقف الروسي، فإن هذه القمة ستضع الأوروبيين في موقف تفاوضي أضعف، سواء على المستوى السياسي، أو المستوى الأمني أو المستوى التجاري، وسيستطيع بوتين توجيه ضربات جديدة ضد الأوروبيين من أجل إخضاعهم أكتر لفرض الشروط الأميركية. وهذا ينسجم مع عناوين الحملة الانتخابية لترامب وما تحقق منها، قبل موعد الانتخابات النصفية في تشرين الثاني المقبل، لا سيما إعادة الولايات المتحدة الأميركية إلى موقع الدولة الأقوى في العالم اقتصاديا وسياسياً.

في المحصلة فإن مثل هذه السياسات بمجملها قد لا تسهم بإنتاج واقعاً جديداً أو حالة جديدة كلية، فالأسلوب القائم على إرضاء الإدارة الأميركية الحالية ومصالحها، يوفر أيضا فرصة تشكيل حالة من الخصومات المتعددة، وردود فعل متفاوتة، سواء من القوى الإقليمية الكبرى، (الصين والاتحاد الأوروبي)، أو كما يحصل في الشرق الأوسط من دول مؤيدة وأخرى معارضة، فالتبجح مثلاً بصفقة القرن على اعتبارها مشروع كبير قابل للتحقق، قد تصل إلى طريق مسدود، حيث أن المواجهة الراهنة لا تفضي إلى انتصار متل هذه المشروعات التي سبق أن طرحت ولم تلق الحظ من النجاح، فالاستنتاج الذي يقول أن قمة ترامب – بوتين جزء من سلسلة مترابطة قد تنتج واقعاً جديدا وتحولات كبرى، ليست واقعية فهي سلسلة مقايضات لها فعلها المباشر تجاه بعض القضايا المحددة، كما لها بعد إعلامي يخدم مصالح الطرفين، ولذلك لابد من انتظار انعقاد القمة وترقب ما ستخرج به من نتائج جديدة.

() فوزي ابو ذياب- “الأنباء”