ما لنا ولكم… هو للوطن!

وهيب فياض

عندما أطلق كمال جنبلاط مصطلح المارونية السياسية على المتحكمين بدولة ما قبل الطائف، لم يكن هذا المصطلح مصطلحاً طائفياً من زعيم وطني يساري، ورئيس حزب تقدمي، وقائد حركة وطنية تناضل لتغيير النظام أو على الأقل لتعديله وتطويره.

والمصطلح بحد ذاته كان يطال غلاة المتحكمين بالدولة من كل الطوائف، المعتقدين خطأً أن لبنان هو معقل وملاذ المسيحيين وأنه وجد لهم ولهم فقط دون سواهم، وأن ما لهم لهم، وما لغيرهم لهم أيضاً ولكن بأدوات من الطوائف الأخرى شكلا فقط.

وفِي حمأة الصراع اللبناني عبّر المغفور له المرحوم الرئيس كميل شمعون أحسن تعبير عن هذه المعادلة، عندما قال: “ما لنا لنا، وما لكم لنا ولكم”، وكأنه يطرح حلا يتنازل فيه عن ما لكم لنا لتصبح ما لكم لنا ولكم، معتبراً ذلك تنازلا كبيراً وكفيلا بإنهاء الصراع والحرب اللبنانية.

هذه كانت حدود تنازلات المارونية السياسية قبل الطائف، وفحواها أن يكون رئيس مجلس النواب انعكاساً وتجسيما للمارونية السياسية، ورئيس مجلس الوزراء باش كاتب لدى النظام كما كان يصفه السنة الممتعضون.

وبعد إتفاق الطائف الذي دفع لبنان ثمنه غالياً مئات آلاف الشهداء والجرحى، وخراباً ودماراً، أصبحت المعادلة الدستورية، ما لكم لكم، وما لنا لنا، ولكن مؤقتاً، ولحين يصبح ما لنا وما لكم، للوطن، إنسجاماً مع مطلع النشيد الوطني.

وقد أحسن أرباب السلطات التشريعية والتنفيذية، اجتياز مرحلة ما بعد الطائف، بتطبيق المعادلة الجديدة وهذا ما جعل الترويكا آنذاك تحكم لبنان بالتوافق، الذي كان وليد جنبلاط قيمته المضافة الرابعة، بانتظار إقرار مجلس الشيوخ، وهو مطلب درزي بالأساس، رفعه أقطاب الدروز، أي كمال جنبلاط ومجيد إرسلان ومحمد أبو شقرا إلى المجتمعين في مؤتمر الطائف،
واستطرادا فإن هذه الفكرة هي لبنانية بحتة بغض النظر عن راعي الوفاق والسلم الأهلي، سواء كان سورياً أو سعودياً أو أوروبياً أو حتى إيرانياً، لأن الصيغة نابعة من الواقع اللبناني أياً كان حاميها أو راعيها
فماذا عدى مما بدى؟ حتى يعود لبنان إلى المربع الأول بدل أن يتقدم على طريق استكمال تطبيق الدستور.

لو كان الطرح شيعياً لقلنا أن تغير موازين القوى يغري بالانقلاب على الاتفاقات، ولكن الثنائي الشيعى أذكى سياسياً، وأكثر تجذراً في فهم الصيغة اللبنانية، من أن ينزلق إلى ذلك.

أما أن يكون الانقلاب من طرف سياسي، شبه له أنه وريث وحيد يحاول حصر إرث المارونية السياسية به، متجاوزا كل أصحاب الحق والفروض في الإرث، الذين أقنعتهم التجربة أن دوام الحال من المحال، وأن استمرار الصيغة اللبنانية يفترض أخذ العبرة مما فات في مقاربة ما هو آت، لأن إعادة التجربة بنفس الظروف والأدوات، يوصل إلى نفس النتائج والنهايات.

وإذا كان البناء على المؤقت لا ينتج إلا المؤقت، والمؤقت السائد اليوم هو بناء آيل إلى السقوط مهما تم تدعيمه، والتفنن في زخرفته، والعودة الى المربع الأول مستحيلة، فلن تكون رئاسة مجلس النواب مرآة تعكس صورة مشوهة على زجاج مقعر، في زمن وضوح الصور، ولن يعود رئيس الوزراء باش كاتب، بعد أن استعادت السراي الحكومية بريقها، ولن يكون إختيار الوزراء على قاعدة ما لكم لنا ولكم كما لن يكون مجلس الشيوخ إلا لأصحاب الفكرة والحق، بعد سطوع الشمس من قمم الجبل.

إن ما بني على باطل فهو باطل، والمؤقت لا ينتج دائماً، أما الدائم فهو خيارات الناس في الإنتخابات التي لا يمكن لأحد أن يتجاوزها مهما أوتي من أسباب الاستقواء بالحاجة المؤقتة إليه، فعود الثقاب رغم سرعة إشتعاله تنتهي مهمته عندما يشتعل، فعسى ألا يكون بداية لحريق، في أرض غابة يابسة العشب.

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم وهيب فياض

جنبلاط يهادن مجدداً وينعي اتفاق الطائف

أيها المعلم المشرق علينا من عليائك

نزار هاني: أرزتك أطول من رقابهم!

ما وراء خطاب العرفان!

عن الفتح المبكر للسباق الرئاسي: قتال بالسلاح الأبيض والأظافر والأسنان!

عهد القوة ام العهد القوي؟

من موسكو: تيمور جنبلاط يجدل حبلاً جديداً من “شعرة معاوية”!

لجيل ما بعد الحرب: هذه حقيقة وزارة المهجرين

حذار من تداعيات إزدواجية المعايير!

عن دستور ظاهره مواطنة وباطنه عفن سياسي!

لا تحطموا برعونتكم أعظم إختراع في تاريخ الديمقراطية!

رسالة من العالم الآخر: من أبو عمار إلى أبو تيمور!

لتذكير من لا يذكرون: تجارب وزراء “التقدمي” مضيئة وهكذا ستبقى!

يحق لوليد جنبلاط أن يفاخر!

تبيعون ونشتري

إنه جبل كمال جنبلاط!

إلا أنت يا مير!

ادفنوا حقدكم لتنهضوا!

الإصلاحيون الحقيقيون: إعادة تعريف!

مطابق للمواصفات!