تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

د. قصي الحسين

تشف زيارة المملكة العربيّة السعودية للزعيم النائب الأستاذ تيمور جنبلاط رئيس كتلة اللقاء النيابي الديمقراطي، بصحبة والده الزعيم وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، عن رغبة تأسيسية إحيائية “للموروث الجنبلاطي” الذي أرسى قواعده قبل أكثر من نصف قرن المعلم كمال جنبلاط وجلالة الملك فيصل بن عبد العزيز، بوجهه الوطني اللبناني العروبي، المدافع عن قضايا لبنان وقضايا العرب والمسلمين وعن القضية الفلسطينية قضية العرب والمسلمين المركزية.
هذا المأثور والموروث التاريخي الوطني والقومي والمحفوظ بعناية لدى وليد جنبلاط في قصر المختارة على مر العهود بغيومها السوداء والبيضاء الّتي تشابكت وتقاطعت فوق لبنان والإقليم، طيلة أكثر من نصف قرن، كان لا بد له أن ينتقل إلى الزعيم المجدد تيمور جنبلاط، فيكتمل به مثلث الإرث التاريخي في قصر المختارة: العباءة والكوفية والعلاقة الجنبلاطية السعودية.

بهذا المعنى تعتبر زيارة تيمور جنبلاط بصحبة والده وليد جنبلاط إلى المملكة العربيّة السعودية، بعد الانتخابات النيابية، ولقائهما جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله ولي العهد محمّد بن سلمان، إنما تأتي بصيغة رسالة تجديدية إحيائية لمراسم رسالة سياسيّة للبيت الجنبلاطي، بداية منذ المعلم كمال جنبلاط وحتى وليد جنبلاط وتيمور جنبلاط.
وإذا نحن تأملنا عميقاً في رسالة هذه الزيارة التاريخيّة الإحيائية، فإنما نرى أن وليد جنبلاط، إنما أراد أن يكمل نقل الأمانة الّتي كانت وديعة تابوت المختارة إلى نجله الزعيم تيمور وأن يكون إلى جانبه أمام الشراكة التاريخيّة الجنبلاطية السعودية، في برهة حارقة في سخونتها من المنعطف الذي نشأ حديثاً عن فالق الإقليم.

تيمور جنبلاط إذاً وبصحبة والده أصر أن يتسلّم الأمانة كاملة بكل شجاعة، أمام الشجاعة العربيّة التاريخيّة متمثلة بالعاهل السعودي الكبير جلالة الملك سلمان وأمام ولي عهده الأغر الذي ينضح جبينه جرأة وشجاعة، عنيت به الأمير محمّد بن سلمان.

إنها الأمانة التاريخيّة كاملة وديعة تابوت المختارة، بين يدي الزعيم المجدد تيمور جنبلاط: الوطنية اللبنانية والقضية الفلسطينية وعهد الأخوة الصادق مع المملكة العربيّة السعودية، في حفل التسلم والتسليم الذي يكتمل بعد حفل المختارة في الرياض، والأربعة الكبار يشهدون. فالمختارة في برهة الفالق الاقليمي الساخنة، إذن، منحازة في لبنان، للعروبة والإسلام والقضية الفلسطينية. وأما الإعلان عن ذلك فاختار الزعيم المجدد تيمور جنبلاط أن يكون في الرياض. ولذلك صحب والده وطار إلى الرياض بعد قرابة الأسبوع على الانتخابات، ليشهد للإرادة الشعبية اللبنانية الوطنية الّتي انتخبته، وليسطر الأمانة كاملة في سجلات العروبة والاسلام تحت سماء العواصم التاريخيّة الثلاث: مكة والمدينة والرياض عواصم الإسلام والعروبة.

إن الجرأة الّتي لا حدود لها عند تيمور جنبلاط، إنما تتلاقى مع إرادة المملكة العربيّة السعودية في جعل هيبة الدولة في الحفظ والصون، في مختلف المواقع والمواقف. ويتمثل ذلك أكثر ما يتمثل في التأسيس والبناء على دستور الطائف، لفرض الاستقرار والانفراج الذي صاغته مرجعية الدولة المنبثقة أساساً عن الطائف.

وبناءً عليه، فإن مفهوم طرح الحلول الحقيقية لمستقبل لبنان الاجتماعي والاقتصادي، يجب أن ينسحب من إطار الجدل السياسي، لتغدو السياسة، أكثر تعبيراً وأكثر صدقاً عن الإلتزام بتنفيذ بنود اتفاق الطائف بما هو إنجاز وطني، لا سوقاً للصراع عليه، والذهاب فيه بأشكال تفسيرية مؤذية ومعيقة في إيذائها للمسار الوطني التنموي والذي يجب أن يظل في الحفظ والصون لدى اللبنانيين جميعاً.

فالتهجير الجغرافي الذي استمر خلال الأحداث طيلة العقود الثلاثة الماضية، يجب أن لا يقود إلى منطق جديد يحل محله، هو منطق المواقع الطائفية في الدولة وتهجير طائفة لحساب طائفة أخرى، وذلك ضمن إطار المناصفة الّتي تشكل خطوط التماس.

لقد محا الكبيران البطريرك صفير والنائب وليد جنبلاط بخطى المصالحة في الجبل، خطوط التماس، وخطوط التهجير والعنف والاستقواء، وخطوط الحرب لعقود ثلاثة، فلماذا العودة إلى منابر التحريض من جديد ولماذا الانشغال بالاشتغال على الفتن وزرعها بين الفئات والجماعات وأصحاب الديانات المتآخية بعد عهد المصالحة التاريخي. أو ليست السياسات المبنية على الوفاق ملزمة بحسب دستور الطائف، وبحسب شروط المصالحة في الجبل، ببناء منابر وإذاعات وتلفزيونات لا تحرض الطوائف على بعضها ولا تزرع الفتن تحت أقدام الناس، ولا تروغ بهم، ولا تجعل منهم بذلك مشروع تقسيم نفسي واجتماعي وسياسي. نعم. فالتجريب في ذلك في الجبل اليوم كالضرب على حديد بارد.

يذهب الزعيم تيمور جنبلاط بصحبة والده الزعيم وليد جنبلاط، ليصوغ مع خادم الحرمين الشريفين المعروف بشجاعته، ومع نجله ولي العهد الأمير محمّد بن سلمان المعروف بنجابته وجرأته وإقدامه، رؤية مشتركة للمسار السياسي الداخلي والخارجي في مطلع القرن الحادي والعشرين الذي بدأ يطرح ثماره الإسرائيلية في برهة الفالق الاقليمي، في محيطنا العربيّ من المشرق إلى المغرب والخليج العربيّ. وقد بدا للجميع أن المسار الانحداري بوطأته الثقيلة على بلاد العرب والمسلمين، إنما هو صدى لصوت الحضور الإسرائيلي، الذي نراه وقد باشر يقتحم سكينة الوحدة الحضارية العربيّة الإسلامية من سوريا إلى لبنان إلى فلسطين إلى الأردن إلى اليمن والمغرب العربيّ.

وتأتي الزيارة التاريخيّة الاحيائية بين المختارة والرياض لاستطلاع آفاق هذا المسار الإسرائيلي في برهة الفالق الاقليمي، وآثاره وندوبه، في هذه الأوطان العربيّة، وخصوصاً في لبنان.

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث

عاميات عبد الحميد بعلبكي في “حديث الشيخوخة”