مواقع التواصل بين المدّ الأخلاقيّ والجذر الإنحداريّ!

خطّ الإنسان معابر التّطوّر والحداثة والتواصل بمرتقيات متنوّعة عبر اندماجه التلقائيّ بالحاجة الحياتيّة والعمل لاكتشاف تسهيلاتها، بعدما انغمس وانغمر بنظم الحياة من خلال الكلمة وآليّة تجسيدها بالمعاني الفاعلة والمؤثّرة في الرأي العام. حتّى ترسّخت الأُطُر التعبيريّة وعبَرَت مراحل متنوِّعة ومتعدِّدة، وقد تجلّت وتمظهرت بعدّة وجوهٍ منذ القدم حتّى الآن. وتمادت لغة الكتابة والتعبير ما بين اعتماد الحفر بالصّخر وتدوين الرموز التعبيريَّة، أم عبرَ الحفظ الشّخصيّ للملاحم الشّعريَّة، وأيضاً الكتابة على أوراق الأشجار بالمنطلقات والبدايات الأوليَّه. وبعد كلّ هذا، أنشد الإنسان صناعة الورق ثمّ الطباعة عليها حتّى ولوج التقدّم الواسع. الأمر الذي جعل العالم والإنسان يعتلي بوابة الكتاب وثورته المعرفيّة العابرة والمعبّرة عن اختلاجات الإنسان ومشهديّة استمراره بنبض التغذيّة الفكريّة الهادفة. وما خلف هذا المضمار التّطوّريّ الواسع ومجرياته التعليميّة الراقية!.. بعد هذه الثورة المحبوكة والمكتوبة بالمدادِ وبالأسس المُترجِمة لمصافي العقل التدوينيّ والتعبيريّ، دخل العالم الكتابة الضوئيّة التي أضحت الأبرز والأقوى على كلّ الأصعدة العالميَّة، وجعلت المرتكزات الورقيّة التعبيريَّة تعانق لغة الحياة الجديدة، أي مساكن التّحدّي للبقاء، أم البدء بولوج التّراث الجميل رغم ابتسامة سلامها للإنسان!!…
لقد حصّنت الكتابة بالحبر والطباعة الفكر المعرفيّ التوعويّ ولم تزل!، وجعلت الإنسان بارتقاءٍ دائمٍ نحو الحقيقةِ الحياتيَّة التنويريَّة خلف حتميَّة التّطوّر التي أبدعَت التقدّم والثورة التكنولوجيَّة الرائدة. وها هي اليوم الكتابة الضوئيّة تكتتب المستقبل بسرعةٍ تقدميّةٍ هائلةٍ، وتزرع لنا صراعات التحدّي والحاجة والضرورة في التكيّف والتكامل معها، والإستفادة من سرعة انتشارها الواسع والّلامحدود!!. وأيضاً أدرجتنا هذه الحداثة الثائرة بوجهٍ مؤلمٍ آخر يحملنا لانعطافاتٍ خطيرةٍ ومتراكمةٍ ومتجدّدةٍ، إن لم نتدارك الإنحدارات والإنزلاقات الناتجة عن التعامل معها، أي مع مواقع التواصل الإجتماعيّ المفتوحة على كلّ الإحتمالات ضمن الأطر التعبيريَّة، وخاصةً التعامل والتفاعل الرديء الذي لا يحتكم للأخلاق الإنسانيّة بصلةٍ، ويحاكي المستويات الحواريّة الدنيئة والمرفوضة ضمن منزلقات التراشق التعبيريّ الإنحداريّ أو الأعمال المخادعة والقرصنة. ممّا جعل ويجعل المشرّع اللبناني في دائرة المسؤوليَّة القصوى لإرساء القوننة لهذه الثورة الضوئيَّة، كي يتسامى الإنسان في الثواب والعقاب خلف مرتقيات العدالة وأسس حماية المجتمع والحق العام، وينشد الرادع القانونيّ والتوعويّ في محاكاة المواقع الإجتماعيّة بتنوّعها!!..
لذا، نرى أنَّه من البديهيّ أن تقوم القوى السياسيّة البرلمانيّة المنتخبة، بالعمل على التشريع المتقدّم، وربط ملف التواصل الإجتماعيّ بقوانين مستقلّة تتفاعل وتتكامل ما بين قانون العقوبات ومحكمة المطبوعات وكلّ ما يعرف بالجرائم المعلوماتيَّة وغير ذلك. وتتجلّى باستقلاليّة تفتح الآفاق أمام الحداثة وثورتها، وتعمل للحدِّ من هذا الفلاتان المستشري على المواقع، والذي يكلّف المجتمع الكثير الكثير من المواجهات الدامية أحياناً، ومن الإسفاف والإخفاق المتراكم في منظومة الأخلاق الإنسانيَّة والوطنيَّة، التي تبقى هي الممر الأساسيّ والمُلزم، والمعبَر البنّاء لحماية الوطن بكلّ ميادين النبض المجتمعيّ. على أن نجهد لتنشيط ودرء تقليص الحريات المترابطة والمتجذرة بالوعي والمسؤوليَّة، وحقّ النقد ونقد النقد، لنعتلي الجمال التعبيريّ الحقيقيّ، وغمر معترك الحصانة والضّمانة في شتّى الحقول العقائديّة والدينيّة والمدنيّة والإنسانيّة والإجتماعيّة والسياسيّة والحزبيّة وغيرها، على مستوى ومدى ترسيخ حريّة التعبير الحقّة!!!…
من هنا، ندعو الّلقاء الديمقراطي والحزب التقدميّ الإشتراكيّ بوجه الخصوص، وباقي الأحزاب والتيارات السياسيّة بوجه العموم، إلى إرساء مشاريع القوانين التي تحيط المستقبل بالتنوير والمسؤوليَّة على مستوى ملاقاة ثورة التقنيات التكنولوجيّة بالممرات القانونيّة والتشريعيّة المتطوّرة. لما فيه المصلحة العامّة التي أضحت تبحر وتتكامل بالمنتديات العالميَّة للتعبير والتواصل، وأصبحت الوسيلة والمرتكز والأساس في كوكبة الحيويَّة التّطوريّة المتمادية!!. ما يؤسّس للأجيال الإعتمادات القانونيّة البنّاءة ضمن حركة الإستفادة الواسعة، والإنضباط التقنيّ والعمليّ العقلانيّ، في ملاقاة الأهداف التواصليَّة الإنسانيَّة والإجتماعيَّة الرائدة في حقول مناداة الحداثة ومنابرها، ومواكبة نبض التقدّم بالوعي المؤسّساتيّ القانونيّ، لكبح جماح الفوضى اللاأخلاقيَّة واللامسؤولة في عالم الأضواء المنتشرة والمغمورة بالسلبيَّة كما الإيجابيَّة، وعلى المشرّع تنقيحها من الشوائب والتعديات بالنمطيَّة القانونيَّة الفاعلة والرادعة!…
بناءً لِما تقدّم، يبقى للمشرّع الّلبنانيّ الدور الأساسيّ باستنباط كلّ مقوِّمات التّشريع القيميّ المنتج والحقيقيّ بمختلف المواقع، لحبك عالم التّطوّر والحداثة بالقوانين الرائدة، وربطها بحداثة الرؤية وجمال الرؤى، حتّى نستطيع مواكبة فرح العصر، وعصرنة القوانين والمؤسّسات، لِما فيه خدمة الإنسان والوطن!!!…