عن دستور ظاهره مواطنة وباطنه عفن سياسي!

وهيب فياض

إذا ربطت دابة إلى جذع شجرة قوية معمرة، فلا بد أن الدابة ستحس أنها حرة، طالما كان ما تسعى إليه من عشب وماء وحرية حركة، أقرب إليها من حدود طول الحبل الملفوف حول رقبتها.

أما إذا أرادت أن توسع دائرة الرعي إلى مسافة أبعد، فلا بد للحبل أن يضغط على عنقها لتعرف بالغريزة أنها ليست حرة، وأن الشجرة وصلابة جذعها تمنعها إلى حد الاختناق من تخطي حدود قياس الحبل مهما كان طويلا.

عذراً من القارئ على قساوة الصورة، ولكننا جميعا مربوطون بِجِذْع الشجرة.

أعناقنا عقدة منتصف الطريق إلى خلفياتنا الدينية والثقافية والإجتماعية وفيها غابة شرايين تنقل الطائفية إلى عقلنا الحائر والحبل تذاكر هواياتنا وأماكن إقامتنا. والشجرة نظام طائفي جنح أهله إلى جعل الدستور إسما على غير مسمى، ضاهره المواطنة، وباطنه مستنقع عفن سياسي.

صحيح أن رسن كل منا (وعذراً مجدداً على التعبير) يختلف عن رسن سواه، ضيقا وتوسعا، أو طول حبل، ولكن لكل منا عشبا وماء أبعد من حدود دائرة حريته.

تعتقد أنك حر فتأتيك لحظة عطش لتشرب من نبع لبنانيتك، فإذا بالرسن يشد على عنقك ويخنقك، وتحاول أن تُمارس حرية حركتك فتجد نفسك مرتداً قسرا الى جذع الشجرة.

أما إذا لم تشعر بالحاجة الى هذه وتلك، ذكّرك بها جهابذة السياسة في الإنتخابات، بخطابهم الطائفي المذهبي، وبتهديداتهم بكسر الرؤوس، فتلتف حول نفسك وحول جذع شجرة الطائفية، ومع كل لفة تقترب اكثر من الجذع، فإذا شددت جحظت عيناك وضاق نفسك في صدرك حتى الاختناق، فتضطر إلى مد لسانك كالمعلق على حبل المشنقة.

قبل الحرب كانت الطائفية صفة مذمومة، وأثناء الحرب كان كل طرف ينفي عنه هذه التهمة القبيحة حتى لو مارسها، وبعد الحرب بقي الحياء يمنع المجاهرة بها، فغلفت بالشعارات الوطنية.

أما اليوم، فقد طق شلش الحياء وانفلت العقل من عقاله، وأصبح الجنون الطائفي مبررا لتطابق الشعار الطائفي مع الممارسة الطائفية، فالمجنون صادق دائما لانه يفتقد إلى الرادع، فلا يكذب أبدا، ويقول ما يفكر فيه، غير آبه بآراء من يسمع القول.

أسوأ ما في هذا الوطن أن يؤول أمر الوطنية إلى تجار حبال، لا تروج بضاعتهم إلا عندما يقنعون كل اللبنانيين أن لا مفر لأي منهم من شراء رسن وحبل، مشدود إلى جذع شجرة الطائفية، التي يعتلي أغصانها تاجر الحبال الشاطر في الاقناع، والتجارة أولا وأخيراً شطارة.

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم وهيب فياض

جنبلاط يهادن مجدداً وينعي اتفاق الطائف

أيها المعلم المشرق علينا من عليائك

نزار هاني: أرزتك أطول من رقابهم!

ما وراء خطاب العرفان!

عن الفتح المبكر للسباق الرئاسي: قتال بالسلاح الأبيض والأظافر والأسنان!

عهد القوة ام العهد القوي؟

من موسكو: تيمور جنبلاط يجدل حبلاً جديداً من “شعرة معاوية”!

لجيل ما بعد الحرب: هذه حقيقة وزارة المهجرين

حذار من تداعيات إزدواجية المعايير!

لا تحطموا برعونتكم أعظم إختراع في تاريخ الديمقراطية!

رسالة من العالم الآخر: من أبو عمار إلى أبو تيمور!

لتذكير من لا يذكرون: تجارب وزراء “التقدمي” مضيئة وهكذا ستبقى!

يحق لوليد جنبلاط أن يفاخر!

تبيعون ونشتري

إنه جبل كمال جنبلاط!

إلا أنت يا مير!

ادفنوا حقدكم لتنهضوا!

الإصلاحيون الحقيقيون: إعادة تعريف!

مطابق للمواصفات!

خيارات المختارة وتحالفاتها: قراءة هادئة!