معوض: موازين القوى في المجلس النيابي تغيرت نحو الأسوأ

حاورت “البيان” الدكتور كمال معوض، نائب رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي، وطرحت معه مرحلة ما بعد الإنتخابات وما قبل تأليف الحكومة وملفات داخلية متنوعة.  وفيما يلي نص الحوار:

*ما هي قراءتك لنتائج الإنتخابات النيابية؟
أمر جيد أن تحصل إنتخابات في لبنان بعد انتظار 9 سنوات. كان لدينا الكثير من المآخذ على قانون انتخابي هجين من أولى نتائجه كان ضرب فكرة النسبية وأعطاءها مفهوماً مشوّهاً لا يؤدي الغاية منها. أملنا أن تؤدي هذه الإنتخابات الى تغيير فعلي في تركيبة المجلس النيابي وفي إدخال دم جديد. كانت النتيجة أن موازين القوى تغيرت بعض الشيء، وحسب وجهة نظري، تغيرت نحو الأسوأ، بمعنى أن هناك عودة لرموز سابقة كنا نأمل أن لا تجد لها موقعاً من جديد في الندوة النيابية، وأقصد هنا تحديداً الرموز المرتبطة بالنظام السوري. وكان هناك إصرار من النظام السوري على إدخالها في اللوائح المضمون النجاح لها وكان له ما أراد.. كان في هذه الإنتخابات قليل من السيادة وكثير من العمل تحت الطاولة ولعب دور أساسي فيها أصحاب الرساميل التي دخلت الى بعض اللوائح للوصول الى الندوة النيابية. لم تُخَض الإنتخابات في كثير من الأماكن على الأسس السياسية الواضحة، وكان هناك صراعات ضمن نفس اللائحة، وكان مكون 8 آذار وعلى رأسه المكون الثنائي الشيعي صار لديه مواقع أقوى في الندوة النيابية، وصار في حال تحالفه مع التيار الوطني الحر يمكنه أن يقول إنه حاصل على أكثرية نيابية. هذه القوى موجودة في لبنان ونحن لا نريد إلغاء أحد، ويجب أن تتمثل. لكن بالنتيجة إن التحولات التي حصلت في الندوة النيابية لم تكن في الإطار الإيجابي جداً وإن كان يمكن أن نقول إنه استطعنا كقوى “ذات منحى سيادي” إستطاعت أن تحافظ على وجودها لا بل أن تعزز موقعها في وقت كان هناك تشكيك كبير على قدرتها للوصول الى هكذا نتائج.

*هل أصبحت الأكثرية النيابية بيد الثنائي الشيعي وحليفهما التيار الوطني الحر؟
لقد حقق هذا التحالف الثنائي الشيعي زائد التيار الوطني الحر بمجمله حقق نتائج إيجابية لصالحه. لكن يجب أن نقول إن هذا التحالف ليس تحالفاً ثابتاً. الثنائي الشيعي عنده ركائز سياسية تضمن استمرار تحالف القوتين الشعيتين، لكن التيار الوطني الحر بحاجة الى تحديد موقعه أكثر لأننا أصبحنا نحتار مع قائد هذا التيار جبران باسيل ماذا يريد أحياناً لأن الهواية الأساسية عند هذا القائد أن يصطدم مع كل القوى. ساعة يكون مع حزب الله حين يؤمن هذا الأخير مصالحه ومصالح التيار الوطني الحر. وشاهدنا عند الإنتخابات الرئاسية كيف عطل البلد مدة سنة ونصف لأجل إيصال مرشح التيار الوطني الحر الى رئاسة الجمهورية. نعرف كيف أن التحالفات مع الثنائي الشيعي هي مقبولة عندما تؤمّن وصول جماعة التيار العوني، بينما في أماكن أخرى كان هناك تأجيج لخطاب طائفي لأجل “الهيمنة” على القرار المسيحي. جبران باسيل قائد التيار الوطني الحر ليس شخصاً مؤهلاً لقيادة تيار وطني جامع. هو مؤهل لقيادة تيار منغلق على نفسه لا يتحالف مع أحد إلا عندما تتأمن مصالحه. وهو مستعد أن يجري إنقلاباً فعلياً على كل ما توصل إليه اللبنانيون بعد انتهاء الحرب الأهلية. جبرال باسيل رأس حربة في الإنقلاب على إتفاق الطائف.

*يحكى عن حكومة وحدة وطنية هل ستتأخر ولادتها وهل سيستبعد عنها أي طرف سياسي؟
بين الواقع والأحلام فرق كبير. أياً تكن نتائج الانتخابات النيابية كان الحلم أن تأتي تشكيلة حكومية واسعة قدر الإمكان ومعبّرة عن تنوع المجتمع اللبناني لمجابهة ليس فقط الأخطار الإقليمية بل لمحاولة معالجة المشاكل الاقتصادية التي يئن تحتها المواطن اللبناني. ليس هناك مجال للترف في هذا الموضوع، فإن ديْننا العام تجاوز 80 مليار دولار أميركي، واقتصادنا في تراجع يومي، والنزوح السوري ما يزال قائماً، كما أن ثروتنا النفطية بحاجة الى من ينقذها من الضياع. كان الأمل أن نأتي بحكومة موسعة وجامعة قدر الإمكان وبأقل وقت ممكن، لكن يبدو بكل وضوح أن باب التأخير صار بحكم الأمر الواقع. عملية التأليف لا تشهد حماوة في الوقت الحاضر بل تشهد برودة بإنتظار ربما بعض الإشارات الإقليمية وليس فقط من ناحية الخليج كما يوحي البعض لكن بما يحصل في الجبهة السورية والإضطرابات بين الإيرانيين والروس على الأرض السورية وإحتمال إنعكاس هذا على الأرض اللبنانية. كما يمكن أن يكون هناك دور إسرائيلي في تأجيج أي صراع “إضافي” في المنطقة. أضف الي كل هذا ما يحصل في العراق والخليج. الى جانب كل ما ذكرت هناك معطيات محلية ستؤخر تشكيل الحكومة. المشكلة الحالية أن وزير خارجية لبنان جبران باسيل يحاول الإستئثار بأكبر عدد ممكن من الحقائب الوزارية، ويحاول إزاحة بعض منافسيه على الساحة المسيحية. كان التفاهم مع القوات اللبنانية جيداً عندما أمن وصول الجنرال عون الى رئاسة الجمهورية. ولكن عندما يصبح الموضوع “تقاسم” الوزارات أو ربما يسميه البعض المنافع السلطاوية، يصبح الصراع على أشده. هناك محاولة لإقصاء كل المكونات المسيحية غير التيار الوطني الحر، ولا يقتصر على القوات اللبنانية بل يطال المردة كما طال عدداً كبيراً من الشخصيات المسيحية المستقلة. هناك طمع كبير عند قائد التيار الوطني الحر وسيكون هذا سبباً اساسياً في تأخير تشكيل الحكومة.

*كيف تصف اليوم العلاقة بين الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط؟ والعلاقة بين جنبلاط والسعودية وزيارته المرتبقة للمملكة؟
العلاقة بين جنبلاط وسعد الحريري هي علاقة لا تتسم بكثير من الحرارة في الوقت الحاضر. لكن لا تتسم بالعدائية. وليد جنبلاط لا يعتبر تيار المستقبل عدواً له. وليد جنبلاط قدم المستحيل لدعم سعد الحريري في مسيرته. لكن وليد جنبلاط كما الحزب التقدمي الإشتراكي يشهد أن سعد الحريري يقدم تنازلات أكثر مما هو مطلوب منه. إن أمانة إتفاق الطائف هي بيد سعد الحريري حالياً وعليه أن يصون هذه الأمانة، وأن يوقف محاولات التفرد ببعض القرارات من قبل التيار الوطني الحر وعليه أن لا يقبل بتنازلات إضافية تضر بموقع رئاسة الوزراء.

قال وليد جنبلاط إنه علينا أن نلبنن الاستحقاقات الوطنية وان نقيم حيزاً اكبر لقرارنا الداخلي. ربما لم يرضِ هذا الكلام المملكة السعودية مع كامل احترامنا لها. مع العلم ان المملكة السعودية قدمت الكثير من أجل لبنان، وليس فقط لدعم اقتصاد لبنان بل لدعم مئات الوف اللبنانيين العاملين والقائمين فيها. لكن لا نريد أن نكون ملحقين بأي محور. العلاقة المتجددة حالياً بين جنبلاط والمملكة هي إعادة إصلاح بعض ما فسد في المرحلة السابقة. سيذهب وليد جنبلاط الى السعودية لإعادة تمتين هذه العلاقة التاريخية التي كانت قائمة منذ أيام المعلم كمال جنبلاط.

*في رأيك لمصلحة من تم تسريب مرسوم التجنيس؟ وهل يعد تسريبه بعد الإنتخابات النيابية واجهة لمشروع أكبر يحضَّر له في الخفاء؟
مرِّر مرسوم التجنيس في ليلة حالكة الظلام ومرِّر في فترة إنتقالية ضاع فيها اللبنانيون إن كان في نهاية الحكومة السابقة أو في مرحلة تصريف الأعمال. إنه مرسوم فضيحة وأن هناك وقاحة كبيرة عند المسؤولين اللبنانيين الذين يحاولون أن يوحوا لنا بأن هذا الأمر حق بديهي من حقوق رئيس الجمهورية. فليسمحوا لنا لو كان هذا المرسوم في غاية والوضوح والشفافية لما كان هناك داع للتستر عليه ولعدم إعلان أي طرف أبوته له. اعترضنا كحزب على المبدأ أولاً. أي مرسوم يجب أن يكون شفافاً وأن يعتمد على معايير معينة . لكننا لم نفهم ما هي هذه المعايير ولم نفهم لماذا هذا الإصرار على تمرير هذا المرسوم بهذه السرية المطلقة. عندما اطلعنا على الأسماء لم يعد تعد الامور مستورة وأتضح كل شيء. ربما تكون الأموال التي دفعت هي وراء تمرير بعض من تلك الأسماء. وهذا شيء شبه أكيد. لا يمكن أن نصور أن مرسوماً للتجنيس لا يشمل إلا كبار الأغنياء، وأن يمر دون أن يدفع قبالته. لكن عند التمعن أكثر في الأسماء نجد أن هناك أسماء مرتبطة مباشرة برموز إقتصادية داعمة للنظام السوري والإيراني. لن نترك وصمة العار هذا ان تمر. سنتقدم كحزب مع غيرنا من القوى السياسية بطلب إلغاء هذا المرسوم. فليكن التجنيس على أسس ومعايير واضحة.

*نسمع عن عرقلة صادرة من قبل مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة بخصوص موضوع عودة النازحين السوريين الى مناطق بلادهم الآمنة. في أي خانة تصب هذه العرقلة؟

لست هنا في موقع الدفاع عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. إذا كان هذا الكلام دقيقاً في طريقة طرح الأسئلة على النازحين فمن الطبيعي ان يحق للدولة اللبنانية ان تطرح تساؤلات وان تطلب تفسيرات. لكنني لست مقتنعاً بنظرية تآمر المجتمع الدولي والغربي بأكمله لإبقاء النازحين السوريين في لبنان. لكن هذا الموضوع تقرره الحكومة اللبنانية وليس وزير الخارجية. هناك مجلس وزراء يطرح ويناقش هذا الموضوع لأنه يطرح علاقة لبنان بالأمم المتحدة والمنظمات الدولية. لا يجب التفرد بأي قرار من قبل وزير واحد أي كان موقعه. هناك تعد على صلاحيات مجلس الوزراء وهناك غض نظر أن هناك رئيس وزراء. إنه طلب مجاني لاستعداء العالم