جنبلاط رجِع… الى المملكة

ملاك عقيل (الجمهورية)

بـ «نسخة» وليد جنبلاط الوسطي، الحليف الأول للرئيس نبيه بري والمهادن لـ«حزب الله»، «المضاد» لسياسة المحاور، صاحب العلاقة «الملتبسة» حتى الآن مع الرئيس سعد الحريري، والمتوجّس من «تطيير» إتّفاق الطائف قَصَد «زعيم المختارة» المملكة العربية السعودية بعد آخر زيارة له في تشرين الاول 2015 حين التقى الملك سلمان بن عبد العزيز ووليّ وليّ العهد السعودي آنذالك الأمير محمد بن سلمان.

بناءً على طلب جنبلاط بعد فترة من وفاة الملك عبدالله في 22 كانون الثاني 2015، حدّد الديوان الملكي موعد زيارة الزعيم الدرزي في تشرين الاول من العام نفسه. يومها توجّه «البيك» الى المملكة في لحظة الدخول الروسي العسكري الى سوريا وفي خضمّ رحلة التفتيش عن رئيس الجمهورية الذي سيخلف الرئيس ميشال سليمان في قصر بعبدا.

كثيرون اعتبروا أنّ هذه المحطة ستؤسّس لصفحة جديدة بين الطرفين بعد جملة إستحقاقات رسمت خطوط توتر على خط الرياض-المختارة ليس أقلّها تسمية جنبلاط نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة عام 2011 بعد سقوط معادلة الـ «سين.سين». لكنّ هذا ما لم يحصل حيث توسّع «بيكار» التباعد الى أن حلّ جنبلاط ضيفاً قبل أيام في قصر اليمامة.

بعد فترة طويلة من «الممانعة» عدّل جنبلاط في البوصلة. لأشهر خلت كان يردّد أمام زوّاره «لن أزورَ السعودية في حال دُعيت بهدف إعادة إحياء فريق 14 آذار». رفض دوماً أن تفسّر أيّ زيارة له الى المملكة بمثابة إلتزام بمحور على حساب آخر، فلم يُكمّل حبوبَ عنقود زيارات الحجّ السياسي لرئيسَي حزبَي «القوات اللبنانية» و«الكتائب» سمير جعجع وسامي الجميل الى جدة عام 2017 في ظلّ بلوغ النزاع بين «حزب الله» والسعودية سقفه الأعلى.

إلتزامُ جنبلاط الحياد الإيجابي والوسطية البنّاءة، موقفُه من حرب اليمن التي وصفها بـ «العبثية»، وصولاً الى موقفه من إستقالة الحريري من الرياض وانتقاد البرنامج الإنقاذي لولي العهد محمد بن سلمان، وعدم زيارة السفير السعودي السابق وليد اليعقوب له… كلها عوامل ساهمت في ترسيخ مسافات التباعد على خط المختارة-الرياض الى أن نضجت ظروف الزيارة بما لا ينعكس إستثماراً سلبيّاً لها في الداخل اللبناني. يرى كثيرون أنّ «خلوة الفنيسيا» مهّدت عملياً لزيارة جنبلاط الى السعودية التي تأجّلت الى ما بعد الانتخابات بشهر.

فخلال زيارة الموفد الملكي نزار العلولا لبيروت في نيسان الفائت، قبل ثلاثين يوماً من فتح صناديق الاقتراع، وتحت عنوان المشاركة في تدشين جادة الملك سلمان في بيروت، أمّن العلولا «الرعاية السعودية» للقاءٍ كان يصعب داخلياً تأمينُ مقوّماته وظروفه وتوقيته بين الحريري وجنبلاط وجعجع، في حضور القائم بالأعمال السعودي وليد البخاري، في مقرّ إقامة الزائر السعودي في «أوتيل فينيسا». كان الأمر بمثابة كسر الجليد الأوّل بين الحريري وجعجع تحديداً، على خلفية الاستقالة، الى أن ظهر مجدّداً «الحكيم» في «بيت الوسط» في 15 أيار الفائت.

في الأشهر الفاصلة عن انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية كان جنبلاط، متمترِساً في «صومعة» المختارة يحذّر ممّا هو آتٍ. طالب بإنتخاب «أيِّ رئيس» في مواجهة الوضع الأمني المتفلّت وضغط الإرهابيين على الحدود ولمواجهة العجز المالي والدين العام وتدهور الثقة بالمؤسسات وتفشّي الفساد وإيجاد «بيئة حاضنة» داخلية تخفّف من وهج النزاع الإيراني ـ السعودي الذي وجد صداه في بيروت على خط «بيت الوسط»ـ الضاحية، إضافة الى دعوته لفصل الداخل اللبناني عن سوريا التي تعيد تكوين هويّتها…

إنتُخِب «الجنرال» رئيساً وأُقرّ قانون انتخاب، لكنّ هواجس جنبلاط تضاعفت، ولم يزد في طينها بلّة سوى إستدراج النزاع السعودي-الإيراني والكباش المباشر للمملكة مع الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله لمشهد الاستقالة الصادمة للحريري، خصوصاً أنّ عنوان «اجتماع كليمنصو»، الذي ضمّ الحريري وجنبلاط وبري قبل نحو شهر من الاستقالة، كان واضحاً لجهة الحفاظ على التهدئة وعدم قلب الحريري الطاولة إنطلاقاً من موقف سعودي، على ما قال الحريري يومها، «يتجنّب إسقاط الخطوط الحمر» في الداخل.

لحظة تراجع الحريري عن الاستقالة شكّلت مفتاحَ فرج قاد لاحقاً الى إنتظام مقبول لعمل الحكومة والأهم إشرافها على إنتخاباتٍ أعادت تكوين مجلسِ نوابٍ كَسَر للمرة الأولى الاصطفافَ التاريخي لمحورَي 8 و14 آذار، وقاد جنبلاط الى عقد تحالفات مع «المستقبل» و»القوات» مستثنياً «التيار الوطني الحر».

لم يتزحزح جنبلاط، لا قبل الانتخابات ولا بعدها، عن وسطيّته لكنّ الأمرَ لم يمنعه من دقّ جرسِ إنذارٍ من ممارساتٍ رئاسية (قاصداً عون والحريري والوزير جبران باسيل) من محاولة إستهدافه مع بري. لكنّ همّ جنبلاط الأساس كان «الخوف على اتّفاق الطائف»، على ما كان يردّد في كل مجالسه.

كان على الحريري أن يدشّن بنفسه خطّ عودة العلاقات الطبيعية مع المملكة حتى يفسح المجال أمام شخصيات كجنبلاط للقاء الملك بعد أكثر من ثلاث سنوات من القطيعة والتي لم تشمل موفدَه الدائم الى السعودية النائب وائل أبو فاعور الذي بقي على تواصل مع الرياض.

يرى متابعون أنّ «الطائف» قد يكون أحدَ أهم عناوين اللقاء السعودي-الجنبلاطي إضافة الى أوضاع سوريا والإقليم. وبالتأكيد، هي الزيارة السعودية الأولى لنجله تيمور بعد انتخابه نائباً عن دائرة الشوف-عاليه وارثاً مقعد والده. مع العلم أنّ الأخير تعرّف الى القيادة السعودية منذ أكثر من سبع سنوات خلال إحدى زيارات زعيم المختارة المملكة للقاء الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز.

أوساط الزعيم الدرزي تشير الى أنّ الزيارة «هي تتمّة لمسارٍ تاريخي في العلاقة المشترَكة بين المختارة والرياض بدأت منذ حقبة المُعلّم كمال جنبلاط واستمرت مع وليد جنبلاط». وتضيف: «صحيح أنه قد يكون حدث في مراحل معيّنة تباينٌ في وجهات النظر حيال قضايا وملفات ما، إنما هذا لا يلغي طبيعة العلاقة التاريخية، ونحن نحفظ للمملكة دورَها في دعم لبنان ومساعدته على إنهاء الحرب الاهلية من خلال «إتفاق الطائف» ودعم عمليته الوطنية وإعادة إعماره».

وعمّا إذا الزيارة لكسر الجليد بين الطرفين ومدخلاً الى الحديث في موضوع تأليف الحكومة الجديدة، تقول الأوساط نفسها: «هي زيارة لتثبيت العلاقات المشترَكة»، معتبرة أنّ «تأليفَ الحكومة شأنٌ داخلي، ولكنّ المملكة لن تتأخّر في الدفع إيجاباً بما يعزّز الاستقرارَ الداخلي».