زيارة جنبلاط للمملكة: تتويج لمسار تاريخي من العلاقات الوطيدة

يزور رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط نهاية الاسبوع على رأس وفد، المملكة العربية السعودية، بدعوة رسمية من الديوان الملكي، حيث يلتقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.

الزيارة الى المملكة يقول جنبلاط “هي إستكمال للعلاقات التاريخية بين المختارة والسعودية”.

فمعروف ان هذه العلاقة تمتد لعقود خلت، فهي بدأت مع المعلم كمال جنبلاط، الذي كانت له زيارات عديدة الى الرياض، وفي أواخر نيسان من العام 1974، قام المعلم بصفته الأمين العام للجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية بجولة عربية شملت ايضا المملكة العربية السعودية والتقى الملك فيصل بن عبد العزيز. وكان اللافت في تلك الزيارة انه تخللها تسليم شهادات لخريجي دورة المظليين في قاعدة تبوك العسكرية، وسُمّيت تلك الدورة بـ «دورة كمال جنبلاط» تقديراً لدوره ونضالاته.

ولاحقاً في مطلع العام 1976، زار المعلم كمال جنبلاط أيضاً المملكة العربية السعودية والتقى الملك خالد بن عبد العزيز وولي العهد آنذاك الأمير فهد بن عبد العزيز. وامتدت العلاقة حتى استشهاده في 16 آذار 1977، وقد كتب حينها ولي العهد: «لقد مات وهو يناضل في سبيل ترسيخ الأمن في بلده وبذل كل ما يستطيع حتى ذهب ضحية دفع ثمنها حياته الغالية».

ومع تولي وليد جنبلاط قيادة الحزب والحركة الوطنية اللبنانية، استمرت العلاقة السياسية والشخصية، وقد ربطته علاقة وثيقة مع العديد من أركان القيادة السعودية، وتوطدت في حقبة الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وكان للمملكة مواقف حازمة ضد الاحتلال وغزو أول عاصمة عربية بيروت على رغم ان الاجتياح تزامن مع حصول انتقال الحكم في المملكة بعد وفاة الملك خالد بن عبد العزيز وتنصيب الأمير فهد بن عبد العزيز في 13 حزيران 1982 ملكاً.

ومن زيارات جنبلاط المهمة الى المملكة تلك التي قام بها في 21 نيسان 1988 حيث عقد لقاء مع الملك فهد، في حقبة قاسية وصعبة مع احتدام الصراع الدولي في لبنان وعليه. وللتذكير انه عندما تعرض جنبلاط لمحاولة اغتيال في كانون الأول 1982 كان الملك فهد من اوائل المتصلين والمستنكرين.

ومع وفاة الملك فهد في 1 آب 2005 وانتقال الحكم إلى الملك عبدالله بن عبد العزيز، شهدت العلاقة تقدماً ملحوظاً ما لبثت ان تراجعت مع سوء فهم مواقف جنبلاط في العام 2010 عندما صوّت لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وذلك بعد انهيار ما سُمّي آنذاك المسعى السوري – السعودي (السين – سين) وهو كان محاولة لبناء تفاهم حول القضايا الخلافية اللبنانية، وقبيل صدور القرار الظني باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري من المحكمة الخاصة بلبنان وهو ما كان ولّد مناخات متوترة جداً في الساحة اللبنانية. وقد ساهم موقف جنبلاط في تلك الفترة بحماية الاستقرار والسلم الأهلي في لبنان، وهو ما كان موضع تفهم من المملكة في وقت لاحق.

وفي العام 2015 زار جنبلاط المملكة والتقى في قصر اليمامة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وأعقب ذلك الاجتماع لقاء آخر لا يقل اهمية مع ولي ولي العهد السعودي آنذاك الأمير محمد بن سلمان في مكتبه في الرياض.

نقاط الالتقاء بين المملكة ومواقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اكثر بكثير من نقاط الاختلاف. في طليعتها حماية استقرار لبنان ووحدته الوطنية.

العلاقة السعودية مع جنبلاط وإن شابها بعض التباين في وجهات النظر في مرحلة معينة، الا انها راسخة ومتينة كونها بنيت على ركائز قوية وامتدت على مسار طويل تخلله محطات مصيرية ومفصلية في الوضع العربي بشكل عام، والوضع اللبناني بشكل خاص. ولا شك انها ستتخذ دفعاً جديداً خلال زيارة جنبلاط المرتقبة إلى الرياض نهاية هذا الاسبوع، وستفتح صفحة جديدة في مرحلة بالغة التعقيد ليس في لبنان فحسب إنما في المنطقة العربية والإسلامية برمتها.

خاص -“الأنباء”