الحالة الإيطالية تعكس أزمة الديمقراطية أوروبا: نهضة أحزاب التغيير في القارة العجوز!

روما- الأنباء

يعكس الوضع الذي تعيشه إيطاليا في هذه المرحلة أزمة ديمقراطية في جميع أنحاء أوروبا تدل من جهة على ضيق أفق التطور الديمقراطي وتمسك الأحزاب التقليدية بالسلطة، ومن جهة أخرى بروز أحزاب تمثل الرفض السلطوي ألأوروبي وتأكد على مطالب الجماهير الواسعة بتحقيق العدالة الاجتماعية وسيادة الدول.

قد تتوصل الأحزاب التي فازت بالانتخابات لاتفاق مع رئيس الدولة يقضي بتشكيل حكومة تديرها حركة “الخمس نجوم” وحزب الرابطة أو الدخول في متاهات حكومة تكنوقراط تصرف الأعمال ولا تتمتع بثقة البرلمان في بلد يصل الدين العام فيه بسبب الهدر المالي إلى 132 بالمائة نسبة للدخل القومي.

كان من المتوقع أن يرأس الحكومة الحقوقي البارز جوزية كونتي لكنه حدث العكس بعد رفض رئيس الدولة سيرجو ماتاريللا التشكيلة التي طرحت وأختار تشكيل حكومة يرأسها المسؤول في صندوق النقد الدولي كارلو كوتتاريللي المؤيد للتقشف، الأمر الذي أحدث بلبلة في الأسواق المالية وولد تذمراً في الساحتين الإيطالية والأوروبية.

للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الإيطالية يحدث تصادم بين رئيس البلاد وأحزاب فازت في الإنتخابات وحازت على 67 بالمائة من نسبة الأصوات.

وللمرة الأولى يتحدى رئيس الجمهورية الإرادة الشعبية بهذا الشكل الصارخ متمسكاً بحكومة تكنوقراط لا يدعمها إلا الحزب الديمقراطي ويتمتع بـ 17 بالمائة من المقاعد البرلمانية!

رئيس الجمهورية ماتاريللا إنتخب من قبل برلمان إنتهت ولايته ويمثل أحزاباً سياسية نبذها الشارع سيطرت على مقدرات الدولة ومرافقها منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية حتى اليوم.

عاملان أساسيان دفعا رئيس الجمهورية لاتخاذ هذا الموقف:

الأول هو قرار الاحزاب الفائزة بتحقيق العدالة الإجتماعية ومنها إستهداف الامتيازات وما يسمى  بالتقاعد الذهبي والدخل غير المشروع خاصة للأحزاب والنقابات.

الثاني: التدخل الأوروبي، لا سيما الألماني، لإبعاد أحزاب عن السلطة هدفها إعادة النظر بالاتفاقيات الأوروبية وقد تختار الخروج من العملة الأوربية إذا ما توافقت مع تطلعات الشعب الإيطالي.

هذه الحالة التي تعيشها إيطاليا ليست فريدة من نوعها ويكفي إستذكار الحالة الألمانية وتعثر تشكيل حكومة لفترة تزيد عن السبعة أشهر بسبب نهوض أحزاب ترفض القوى التقليدية، كذلك هو الأمر في بلجيكا والمجر والنمسا،  إذ لم يعد الحل بالنسبة للشعوب الأوروبية هو الاتحاد الأوربي بل تحول ليصبح المشكلة بحد ذاتها!

ما حصل في إيطاليا مؤخراً يخالف الدستور ويمثل خرقاً للأسس الديمقراطية والسيادة الوطنية. فالمادة 93 من الدستور الإيطالي تنص على أن رئيس الوزراء المكلف يشكل حكومته ويعينها رئيس الدولة.

لكن ما يحصل هو العكس من ذلك إذ هناك تسلط سياسي في بروكسيل ومن يعارض النهج السلطوي الأوروبي يسمى بالشعبوي والمتطرف وأحيانا بالفاشي!

وهنا يبرز ما قاله المستشار الألماني رئيس المفوضية الأوروبية السابق جان كلود يونكر: “لا ديمقراطية تعلو على الاتفاقات الأوروبية ما يعني أنه لا مجال لإرادة التغيير”.

ويقول لويجي دي مايو زعيم حركة “الخمس نجوم”: “رئيس الجمهورية يرفض أي وزير ينتقد السياسة الأوروبية،  فإذا كان هو المعيار يعني أنه لدينا مشكلة هي الديمقراطية ولا يمكننا ذكرها”.

أما رئيس حزب الشمال ماتيو سالفيني فيقول: “أتساءل إذا كنا في دولة ديمقراطية في وقت يعود القرار للألمان أو الفرنسيين فهم يقررون عنا، كان من الواجب إبلاغنا بذلك كي لا نضيع الكثير من الوقت لإجراء الإنتخابات”.

يذكر أن إحتمالات جديدة قد ظهرت في الأفق أنعشت الآمال بشأن تشكيل حكومة إيطالية تنهي حالة الشلل السياسي في ثالث أكبر إقتصاد في منطقة اليورو، وتخفف من حالة القلق الأوروبي مما دفع رئيس الوزراء المكلف كارلو كوتاريللي بالتوافق مع الرئيس سيرجيو ماتاريلا، إلى إرجاء تشكيل حكومة مؤقتة في إيطاليا.

وصدر بيان عن القصر الرئاسي جاء فيه أن الرئيس ماتاريلا ورئيس الوزراء المكلف كوتاريللي سوف ينتظران لمعرفة ما إذا كان سوف يتم التوصل لاتفاق بين الأحزاب.

وفي تصريح حديث له قال دي مايو إنه على استعداد لاحتمال إعادة إجراء مباحثات مجدداً بشأن تشكيل تحالف مع حزب الرابطة ومراجعة مواقف حزبه واستبدال وزير المال والإقتصاد المحتمل باولو سافونا لشغل منصب آخر في الوزارة الجديدة. يذكر أن باولو سافونا (81 عاماً)، هو صاحب المواقف المشككة تجاه الإتحاد الأوروبي.

طلال خريس