الفرصة سانحة للضغط على إيران في سوريا

لينا الخطيب (الشرق الأوسط)

حملت الأسابيع القليلة الماضية إشارات على أن الطريق إلى السلام في سوريا لا يزال معقداً، وأننا قد نرى تصعيداً قبل أي شيء آخر. لكن هذه التطورات تؤكد أن من المهم للولايات المتحدة أن تُظهر لروسيا وإيران أنها جادة في السعي لإنهاء الصراع السوري، وإلا فسيتضرر حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

لقد قالت روسيا مراراً إنها ليست متمسكة بوجود بشار الأسد في السلطة، ولكنها تريد الحفاظ على الدولة السورية، وحمايتها من العدوان الغربي، وما تعتبره «إرهاباً». لكن إذا كان وجود الأسد كرئيس يحقق أهداف روسيا المتمثلة في أن يكون لها موطئ قدم على البحر الأبيض المتوسط، وأن تظهر أنه يمكن أن تصمد أمام الغرب، فلماذا إذن تريد استبداله؟ في غياب استراتيجية سياسية غربية لإنهاء الصراع السوري، ستواصل روسيا استخدام بشار الأسد طالما بقي مفيداً لمصالحها.

لكن البراغماتية الروسية تجاه نظام الأسد تمثل فرصة للولايات المتحدة لو أنها سعت إلى إيجاد حل وسط لسوريا. ليس من غير المعقول أن تقبل روسيا إزالة الأسد مقابل الاحتفاظ بمصالحها الاقتصادية والأمنية في سوريا. لسوء الحظ، أضاعت الولايات المتحدة الفرصة لإنهاء النزاع السوري منذ سنوات عندما لم يكن النفوذ الروسي هناك متأصلاً كما هو الآن. اليوم، ببساطة لن يكون من الواقعي تصور تسوية سياسية في سوريا لا تتمتع بمباركة روسية.

في حين أن الكثيرين لا يستطيعون تصور أي نوع من السيناريوهات سيشهد مصافحة روسية أميركية على سوريا، فإن الدبلوماسية ليست ممارسة منقرضة بعد. يمكن للولايات المتحدة إرسال إشارات قوية إلى روسيا مفادها أنها جادة في إنهاء الصراع السوري، التي تحمل في حد ذاتها تهديداً موثوقاً باستخدام القوة. لا يعني استخدام القوة بالضرورة العمل العسكري. يمكنه، على سبيل المثال، أن يتخذ شكل عقوبات اقتصادية مهمة ضد المصالح الروسية.

ولكن كما قال الجنرال كلاوسفيتز في زمانه، فإن الحرب هي استمرار السياسة بوسائل أخرى. قبل بضع سنوات، كان لدى الولايات المتحدة خيار إطلاق حملة مستمرة واسعة النطاق ضد الأهداف العسكرية للنظام السوري في سوريا كطريقة لإرسال رسالة لروسيا أنها جادة في جرها إلى طاولة المفاوضات. ولو تمت متابعة الهجوم الصاروخي الذي قادته الولايات المتحدة في أبريل (نيسان) بمثل هذا الإجراء، لربما لم تعد روسيا إلى العمل كالمعتاد في سوريا. في الوقت الحالي، لا يبدو من المرجح أن الولايات المتحدة ستختار هذا الطريق. ولكن إذا استخدمت الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع قضية كوريا الشمالية كمثال، فإن غرس إحساس كبير لدى الخصوم بأن استخدام القوة سيحدث يمكن أن يكون جزءاً من الخطة.

إذا كان استعراض روسيا للعضلات في سوريا لا يجعل الولايات المتحدة تقلق أكثر من اللازم بشأن إنهاء الصراع، فإن نفاد صبر إسرائيل ينبغي أن يؤدي إلى انتباه الولايات المتحدة لأهمية إيجاد حل له. كانت إسرائيل قد وجدت في نظام الأسد كياناً مناسباً لها، فعلى الرغم من إعطائه الضوء الأخضر لـ«حزب الله» لاجتياز الأراضي السورية، فقد حافظ على حدود مستقرة في مرتفعات الجولان المحتل. ومع ذلك، أصبح وجود إيران المتنامي على أرض الواقع في سوريا مصدر قلق بالنسبة لإسرائيل. في البداية، انخرطت إسرائيل في عمل عسكري محدود في سوريا بهدف اغتيال ضباط رئيسيين من «حزب الله» وضباط الجيش الإيراني كلما شعرت بأن أنشطتهم تقترب أكثر من حدودها. اليوم، ازداد التدخل العسكري الإسرائيلي في سوريا ضد الأهداف الإيرانية من حيث الحجم والتكرار، مع وقوع هجومين من هذا النوع في شهر واحد في شهر أبريل الماضي – وهو نطاق غير مسبوق. لقد بدأت إسرائيل ترى وجود إيران في سوريا ليس كرادع لها، وإنما كاستعداد لهجوم ضدها.
تنظر إسرائيل في اتجاه الولايات المتحدة للحصول على المساعدة في هذا الصدد. إنها ليست وحدها التي تشعر بالقلق من النفوذ الإيراني في المنطقة؛ فالمملكة العربية السعودية تشعر بقلق متزايد إزاء نمو النفوذ الإيراني في العالم العربي، الذي تعتبره تهديداً لاستقرارها. وقد صعَّدت السعودية ضغطها المناهض لإيران، ورحبت بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران. في الوقت ذاته أبدت إسرائيل ترحيبها برؤية شخصيات معادية بشدة لإيران، مثل جون بولتون ومايك بومبيو، يعينون في مناصب رئيسية في الإدارة الأميركية. ومع ذلك، إذا رأت إسرائيل أن الولايات المتحدة لن تضع حداً جدياً لتوسع إيران في سوريا، فسوف تأخذ الأمور بيدها.

إيران الآن متوترة بشأن المواجهة العسكرية مع إسرائيل. في أعقاب الضربة التأديبية التي قادتها الولايات المتحدة رداً على استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية، لم ترد إيران ووكلاؤها في سوريا عبر عمل ضد إسرائيل. بدلاً من ذلك، أطلق الحوثيون برعاية إيرانية عدة صواريخ من اليمن استهدفت المملكة العربية السعودية. في نهاية المطاف، تعتبر إيران الحوثيين أداة مفيدة ضد السعودية، وليسوا وكلاء حيويين مثل «حزب الله» في لبنان، واليمن ليس كذلك مصلحة حيوية لإيران مثل سوريا. إطلاق صواريخ الحوثيين هو محاولة إيرانية لحفظ ماء وجهها بتكلفة منخفضة، لأن أي رد على صواريخ الحوثي سيكون من المملكة العربية السعودية نحو اليمن، وليس تجاه سوريا.

لكن هذه الحسابات تؤكد أن إيران قلقة من الدخول في حرب مع إسرائيل في سوريا. على عكس الوضع في لبنان، حيث يعرف «حزب الله» والضباط الإيرانيون الأرض بشكل جيد ويمكنهم تحمل هجوم إسرائيلي كبير، تبقى سوريا أرضاً جديدة نسبياً لهم، ما يجعلهم أكثر ضعفاً هناك. إذا لم تقم الولايات المتحدة بتطوير استراتيجية سياسية لإنهاء الصراع السوري، فلن يكون من المستحيل توقع استفادة إسرائيل من هذا الضعف لتحييد إيران في سوريا، مما قد يؤدي إلى تصعيد في الخليج أيضاً.

مسار الأحداث في سوريا اليوم لا يُبشر بالخير بالنسبة لإيران. سواء من خلال الحرب أو المفاوضات، يبدو أن إيران ستكون الخاسر الأكبر في سوريا على المدى الطويل، لكن السؤال هو ما إذا كانت ستصل إلى هناك بعد أن تتسبب بالمزيد من الضرر لحلفاء الولايات المتحدة. على الرغم من تحفظات العديد من المحللين حول الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني، هناك حاجة إلى صفقة شاملة حول إيران تتضمن حوافز اقتصادية مقابل الإصلاحات المحلية والتخلي عن دورها الإقليمي في العالم العربي. لن يكون من السهل تحقيق ذلك لأن قطع وصول إيران إلى لبنان عبر سوريا يعني نهاية نفوذها في المشرق. سوف يتطلب الأمر ضغطاً وتخطيطاً كبيرين من قبل الولايات المتحدة وحلفائها لإقناع إيران بالموافقة على حل وسط. إن إيران لن تتساهل إلا إذا شعرت أن جميع الخيارات الأخرى قد وصلت إلى طريق مسدودة، ولكن قلقها الحالي يشير إلى أنه رغم صعوبة الوصول إلى هذا الهدف، فإنه ليس مستحيلاً.

*رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، «تشاثام هاوس» – لندن