كلمات من القلب: إلى تيمور جنبلاط

غازي صعب

في غمرة هذا الهدوء الوحشي، الموشى بأوشحة من ضباب، حان الوقت لتسير وتصنع من الهدوء حروفا تشبه لون الوجوه التي أحبتك وواكبتك، منذ أمسكت خيوط الفجر بيديك، ويوم استفاقت يمامات القصر، فغدت الحياة مجدداً رائعة كالموسيقى، متناسقة الألوان، قشيبةً، كلوحة بديعة يرسمها القدر من جديد في باحات القصر ، وبين جدرانه، تحت أنظار القائد الذي أتقن الإنعتاق البارع من ضيق الأمكنة، وعشق التاريخ، وأبحر في معارج الحكمة والإدراك والمعرفة، واحترف صنع لحظات الفرح المشرقة بأفكاره، وأقواله، والمواقف الحاسمة، كأبجدية لاتشبه إلا وليد جنبلاط، كانت تتقد في وقتها وستبقى: ففي سمع الزمان صدى إن هبت الريح أو هدأت، تروي حكاية رجل رجل، عانق صروف الدهر فلواها، ومشى في مناكبها حازما عزيزا شامخا فطواها.

إن في النفس لأشياء وأشياء، حية نابضة في الضمائر على الدوام، صارت عندنا رمزا، وإشراقة نور، وضوع طيوب، وعبير زهور، فمن كل شجرة جوز أو سروة باسقة في محيط الدار تطل أسراب العصافير، فترقص الفراشات، على صوت خرير مياه غدير يمر في ساحة طالما تحركت في رحابها الهامات، واستطابت القامات، وعلى وقع عزف الأهازيج والأناشيد، صدحت الحناجر في المناسبات الماجدة والدافئة في آن، لتتعاقب الواحدة تلو الأخرى كلما طَفت المختارة على سطح الحدث.. وليتردد في أرجاء الكون، رجع صدى كلمات المعلم ومواقفه، نضاله الإنساني ومخزونه الفكري، فما بين قمم الجبال، والسفوح، والسهول، والأودية، إشراقات لا تخبو، وبهاء لا يأفل، وابتسامات حشود كابتسامات البنفسج، ورحيق مجد كرحيق الأقحوان.

فيا تيمور:
ليس على الجبال هنا، إلا الأخضر، حيث يسكن الأرز فينا وقد اغتسل بالغيوم الجامحة، وليس على جانبيك، إلا عيون تتحرك في العتمة، أو النور، لترسم في عينيك آلاف المنى والأحلام، فأنت الهادئ المرهف إلى أقصى حدود اللطف، المتحسس لنبض الشباب، المصمم على مناهضة التعصب والفساد بشدة لا لين معها، وبإصرار لا هوادة فيه كما أعلنت مراراً.

ها هي الإنتخابات النيابية قد انتهت، فأزاحت اللثام عن بضعة وجوه فقدت ملامحها وقيمها، وخلعت عن البعض الآخر أقنعتها لترتدي أخرى. برزت لغة جاهلية أثقلتها العبارات المسيئة المبتذلة والشاحبة، وهبت رياح نفاق تزكم الأنوف، وطغت القشور على الطقوس والقيّم.

فمن ينقذ الأرواح المؤمنة بالوطن والإنسان من أن تتهاوى؟ من يحمي ضفائر الشمس، مدائن الضوء، غابات الروابي، ومنابت الياسمين والرياحين؟ من يقي الناس ممن أضاعوا خارطة الطريق؟ ومن يشعل قناديل السماح والمحبة ويصنع من شعلة الحرية ورودا، وأسراب سلام؟.
ها أنت، في كنف والد حكيم جسور، مع عائلة تنشر رحيق الحب والقرنفل في كل مكان، هاأنت تنادي جذورك التي تغلغلت في نسيج لبنان والعروبة والمسيحية والإسلام، محفورة في ذاكرة التاريخ.

ها أنت، تستلهم الحكمة من عقل الحاضر، ومن عمق الزمن الحافل بالقسوة، بالكرامة، بالشهامة، وبالرموز.. من رصيد لم تنفذ ألوانه، ولن تنفذ كلما يحتاجك الوطن والبشر، وكلما يستفيق الأرز فوق شرفة القمر.. وحين يغرد الهزار، ويصرخ الصمت في الأحداق، وتضج الحروف على الورق، ويزهو العشب بين صنوف الشجر.

ها أنت ذَا تيمور، في دمك التاريخ ولبنان، في دمك فلسطين والقدس، في دمك عروبة الإنفتاح على الغد، ها أنت واقف على قدميك، هنا، حيث مطلع الشمس، تمشي فنمشي معك، ترتقي أدراج التقدم والتطور، فنرتقي معك من عتمة الضجيج المصطنع إلى النور، نور الأعماق، تتعشق صهيل الخيول، فنتعشق معك الرحلة الشاقة الممتعة في آن، إلى الأفق الرحب، نجمع معك ورد الأرض. نسكبُ العطر في مدى الزرقة الحالمة، ونمتد وإياك في عروق الأرض.

كل السيوف تعود إلى غمدها، إلا سيوف الحق والعدل، وهاهو سيف الحق والعدل بين يديك، والتغيير يقف على بابك، فإما أن يلِج، وإما أن يلتف على أعقابه، ولن يلتف بإذن الله.

(الأنباء)