نحن حزب الوطن

غازي صعب

إبتدأت مسيرة الحزب التقدمي الإشتراكي منذ تأسيسه في العام ١٩٤٩، ليحمل قنديل المعرفة الذي لم ولن تطفئه الرياح، وفكرا يصون العقل والحرف والحريّة، وليضم بين صفوفه نخبة من المتميزين والمبدعين والمتحلين بروح المبادرة والإخلاص، الملتزمين بالعمل المباشر والإستعداد الدائم للتضحية والبذل في الحالات التي توجب ذلك.

 

ولطالما تصدر المؤمنون بإحترام الآخر، والمتفانون في سبيل رفاه المجتمع وتطوره وتقدمه من طريق نضال كوادره وأعضائه ونوابه والوزراء، وعن طريق البقاء على صلة مستمرة بالشعب اللبناني وبقضاياه، وفق تطلعات وبرامج ورؤى واقعية وموضوعية للأمور كافة.

 

كانت الحياة الإنسانية بالنسبة لنا قضية مقدسة تجب المحافظة عليها بكل سبيل، كما شدد ميثاق الحزب، وكذا أدبيات المعلم كمال جنبلاط وتعاليمه، ومواقف وتصاريح رئيس الحزب وليد جنبلاط ونضاله الشعبي والسياسي، منذ توليه رئاسة الحزب على أثر استشهاد المعلم، في وطن تكثر فيه المؤثرات والتدخلات، وتتعدد الأحزاب والطوائف، وتتنوع فيه مختلف أشكال التفاعل.

 

ولا يغيب عن البال، أن الظروف التي مرّ بها لبنان غلب عليها الطابع الإستثنائي بين فترات من السلم المؤقت، وفترات أخرى من الحروب الداخلية التي دمرت البشر قبل الحجر، وقلبت مقاييس القِيَم، فأحدثت تغييرات لا يستهان بها في أوساط وشرائح عديدة في المجتمع اللبناني، سواء في النفسيات والسلوكيات كظواهر تسترعي الإنتباه والإستغراب في آن. كما نتج عنها تأثيرات كبيرة على الأوضاع الإقتصادية التي لا يمكن الإستهانة بإنعكاساتها الكارثية على الناس والمؤسسات.

 

الأمر الأهم كما أعتقد في هذا السياق، وبعد انتهاء الإنتخابات النيابية على ما انتهت إليه، هو: ينبغي أن نذهب إلى مستويات عدة من التقييم، وتحليل موضوعي لما جرى في طول البلاد وعرضها، خاصة في المناطق التي يتواجد فيها الحزب التقدمي الإشتراكي وأنصاره، والتي يجب أن تؤخذ بجدية بعين الإعتبار، وأن يبدأ نقاش عميق ودقيق لكل ماجرى ويجرى، من تحولات على أكثر من صعيد، ولآليات الممارسة السياسية والشعبية والإنتخابية التي طبعت نضال الحزب ورئيسه في هذه المرحلة الدقيقة والمصيرية من تاريخه والتي تميزت بالشهامة والمروءة والعزم والإقدام والإعتدال والتنظيم الراقي، وبروحية الإنفتاح والحرص على السلم الأهلي والدولة والوطن. كذلك الحرص على مبادئ الحزب ونهجه التاريخي الواضح البيّن، بالطرق العقلية لا العاطفية، وبالأساليب المنطقية لا الغوغائية. حيث عبّر فيها رئيس الحزب، ومرشحوه ومسؤولوه بالفعل لا بالقول، عن الإهتمامات المتصلة بالحياة اليومية للناس، دون أي تمييز أو إثرة بين منطقة وأخرى، أو بين زيد وعمر.

 

وممَّا لاشك فيه، أن الأكثرية الساحقة من اللبنانيين ترنو إلى العيش الكريم بسلام، وأمان واستقرار، واكتفاء ذاتي، مالم يحدث حتى الآن لأسباب متعددة الوجوه والعوامل، ومتشعبة الآثار والنتائج، حيث عجزت الحكومات والعهود المتعاقبة عن معالجتها، كعجز البصر عن إدراك الألوان.

 

حذار إذن، من العيش في أبراج عاجية والإنقطاع عن قضايا الناس وهمومهم والإحتياجات، ولنعمل بطرق حديثة على تطوير روح المبادرة والإبداع والريادة. فقد كثر الحديث عن الأجيال الشابة ونحن حقا في أمسّ الحاجة إليها، وإلى تنمية وإحتضان وتدريب العقول الشابة لكي تتقن التعامل بأقصى درجات الحرص، والوعي والمعرفة مع تحديات المستقبل، وتمكينها وتحصينها بالخلفية الفكرية والعقائدية لحزبنا العريق، كما خلق الفرص وإتاحتها في المجالات كافة، وفِي المواقع الحزبية كافة، لكي نفتح أمام شبابنا أبوابا متنوعة، وآفاقاً واسعة للعطاء والتضحية، وبناء المستقبل الواعد المضمون، لهم ولمجتمعهم، ولحزبهم، ولوطنهم، ولكي يستمر الحزب التقدمي الإشتراكي، حزبا مجتمعيا، عقائديا، إنسانيا، يجمع عقل العقلاء وحكمة الحكماء، كما كان على الدوام.

 

ولنثبت كما أثبتنا دائما، أننا حزب النخبة والمعرفة، أننا حزب ثقافة الحريّة. فنحن حزب الوطن.

(*) مدير المكتبة الوطنية – بعقلين

(الأنباء)