مصالحة الجبل والتطرف / بقلم سلمان عبد الخالق

قبل أيام على موعد الانتخابات في السّادس من أيار، تتجلّى أمام اللّبنانيّين الحقائق التّالية:

1- الخدعة الكبرى هي قانون الانتخاب الهجين الذي فرّق اللبنانيين، وأعادهم إلى جاهليّة التّطرف والتعصّب الطائفي والمذهبي لتخريب تاريخهم الوطني ونضالاتهم للبنان جديد متحرّر يتساوى فيه المواطنون أمام القانون.

2- بدعة التّصويت للعهد، والرّئيس القوي بنوّابه، ليمارس دوره ويحقق أهدافه. والرّئيس القوي كمسيحي، وماروني بالتّحديد، ليتساوى في موقعه مع موقع الرّئاستين الثانية والثالثة. والرّئيس القوي عندهم اليوم هو العماد ميشال عون.

نتســاءل

هل المطبّلون اليوم للرّئيس القوي يدرون ماذا يفعلون؟

إنّهم يفرغون مقام الرّئاسة من دورها الحقيقي. الرّئاسة في لبنان للمسيحي والماروني تحديدا، لا لأنّه قوي، بل لأن المسيحيين والموارنة بالذات ليسوا أكثرية، ولا هم عدد، بل هم مكوّن لبناني يتميّز بدوره الرّيادي في النّهضة والعلم والثّقافة. والرّئيس القوي من بينهم هو الحَكَم وليس الحاكم، هو رئيس جميع اللبنانيين، بكل طوائفهم وأحزابهم. وقوّته في تجرّده ونزاهته وترفّعه، عندها كل النّواب نوّابه، نواب الوطن، وهو رمز الوطن وحامي الدستور. أمّا مقارنته بمقام الرئاستين الثانية والثالثة فهذا نقض للنّظام اللبناني البرلماني، وإلا سيتحوّل لبنان إلى نظام المثالثة أي كما كانوا يخطّطون، أو بالاحرى النظام الرئاسي وذلك:

1- رئيس الجمهورية الماروني القوي بطائفته ونوابه، وبالعهد.

2- رئيس مجلس النواب الشيعي القوي.

3- رئيس الحكومة السني القوي.

وماذا عن بقية الطوائف؟ هل هم أتباع؟ مواطنون درجة ثانية؟

طبيعي أن هذا الأمر إذا تم سيؤدي إلى انفجار، إن لم يكن اليوم فغدا. هذه مغامرة دفع اللبنانيون أثمانا باهظة نتيجة هذا الطموح الذي نرغب أن يكون فخامة الرئيس عون خارج إطاره.

دور الوزير جبران باسيل في هذه المرحلة الانتخابية:

ان متابعة حركة الوزير باسيل، ودوره كرئيس للتيار الوطني الحر، وممارساته اليومية، وتخطيه كل الاعتبارات، واستخفافه بكل الثوابت التي قام عليها لبنان، يقودنا إلى ما يلي:

1- بأي صفة هو حامي حمى المسيحيين في لبنان؟

2- هل حماية المسيحيين تكون في استنفار كل العصبيات، دون إدراك للواقع السياسي والديموغرافي اللبناني؟

3- متى كان المسيحيون في لبنان مهمّشين كما يدّعي الوزير باسيل؟ ومتى كانت حقوقهم مهدورة ومهدّدة؟ وكل المواقع الرئيسية في الدولة لهم؟

4- مشكلة المسيحيين خاصة ولبنان عامّة، في بعض المواقع التي يتسلّمها من لم يعوا تاريخ لبنان جيدا، فيقودهم عدم الفهم إلى التهور والشخصانية، والانغلاق فيتصورون في وهمهم أنهم قادرون على إعادة عقارب الزمن إلى الوراء.

هذه حال الوزير جبران باسيل، يتصرف كولي للعهد في نظام ملكي، في زياراته، وخطبه، في التهديد والوعيد، في رسم مستقبل لبنان بكل مناطقه وطوائفه.

نتأمله نحن اليوم في الجبل،  فيُحرّك فينا كوامن كنّا قد دفناها معا في مصالحة الجبل، المصالحة التي رعاها وليد جنبلاط والبطريرك صفير، ثم مع البطريرك الراعي ومع قادة مسيحيين أفذاذ، أدركوا بحسّهم الوطني والانساني، أن العبث بالتّاريخ، بالماضي، عبث بالحاضر وجريمة للمستقبل، فكانت المصالحة الانتصار الأكبر في تاريخ لبنان الحديث. أسدل الستار على كل مآسي الماضي، احتراما للذين دفعوا الثمن الباهض من أهل الجبل بكل مكوّناته، وإرساء لجَبَلٍ جديد لا مكان فيه للحقد والعبث، ووأد لكل العصبيات، وفتح الأبواب والقلوب امام مستقبل لا عودة فيه الى الأمس.

هل يعي الوزير جبران باسيل هذه الحقائق؟ انّه يستفزّنا في وجودنا وعيشنا وكرامتنا وتاريخنا، وتحديده للمرشحين وتصنيفهم، ووعودهم بالمغانم والا…

وهنا نتوجه الى فخامة رئيس الجمهورية بنداء:

نحن في الجبل، تعبنا من لغة الوزير باسيل، انّه ينبش القبور، ويفتش في الدفاتر العتيقة، وهو حال المفلسين، تاريخ الجبل عمره مئات السنين، اتّسمت بالحروب والفتن، وسبب كل فتنة التّهور، وفخامتك من الجبل، وعشت تجربة الفتنة في الجبل، الجبل لكل أهله، صفحات الماضي طويت الى غير رجعة، ووليد جنبلاط هو أحد رعاة هذا الواقع الجديد، واذا اعتبر الوزير باسيل أنه بإمكانه وبما يمثّل، أن ينال من ولاء الجبل لقيادة وليد جنبلاط فهو واهم.

أيام تفصلنا عن السادس من أيار، وقد نُشِرَ غسيلَ المرشحين على أسطح اعلام العالم، نأمل أن يكون ما بعده وقفة ضمير ومصارحة، أن لبنان بحاجة الى رجال غير الذين حفلت بهم وسائل الاعلام، رجال مبادئ وقيم وأخلاق، وفخامتكم بحاجة ماسّة الى مثل هؤلاء لمسيرة عهد جديد.

(الأنباء)