رسالة الى “المجتمع المدني” / بقلم ربيع الحوراني المصري

أعزائي في الحراك المدني في منطقة الجبل.
لقد تمنينا وبصدق في المرحلة الأولى من التحضير للإنتخابات أن يصل بعض مرشحي ما سمّي بالحراك المدني قبل أن نعرف أسماءهم، وذلك إيمانا منا بأن بينهم من يستحق، ولأن دخولهم قد يحدث صدمة إيجابية تغييرية وديناميكية، ربما ترفع روح التنافس مع الأحزاب السياسية لتطوّر خطابها وأداءها حيث يجب. فمن يظن أننا نؤمن أن الأحزاب السياسية الموجودة في الحكم اليوم تؤدي دورها بشكل مثالي مخطئ جداً، وما يزيد خطأه هو إصراره على ألا يرى فينا وفي معظم الناس إلا “قطعاناً إنتخابيةً”، لا رأي لها.
لكن معظم الحراك المدني خذلنا.
عقليةٌ وممارسات فوقيّة، وعود لاواقعية واهية وواهمة للناس (كالقضاء على الفساد وسد الدين العام وإنهاء العجز …)، وتقديم النفس كالمخلص الوحيد المُنزَل، وفولكلور البرامج الورقية التي سئمناها، وتعميم صفة الفساد على الناس الذين ينوون الإقتراع للأحزاب السياسية، وصفهم بالغنم والخواريف – وهذا هام جداً يستحق مقالة خاصة – والبعد عن الناس في يومياتهم، في قراهم، في أحيائهم، وهذا أساسي، بالإضافة الى التخبط والتشتت في الترشيحات وإعلان اللوائح، والتركيز بالهجوم على أحزاب دون أخرى ومناطق دون أخرى، وإدراج أسماء على المواطن أن يؤمن أنها الأفضل وأنها خشبة الخلاص فقط لأنها – ببساطة – طبعت على جبينها عبارة “المجتمع المدني”، عرفتها أو لم تعرفها، خبِرتها أم لم تخبرها، هي المنقذ وانتهى البيان!

كل ما تقدم مهم جداً ولكن تبقى فكرة وهم الناس بالحل وخداعهم، وتوسّل شماعة الفساد دون غيرها من القضايا الحياتية والوطنية والسياسية والأمنية … فكرة يجب توضيحها وتسليط الضوء عليها بمجموعة الأسئلة التالية.
ما هو الموقف الحقيقي للناجحين من الحراك المدني حين يكتشفون، أن المشكلة ليست فقط في الإقتصاد، في الفساد، في الجوع، في الصفقات، في الدين، او في هدر المال العام… وأن المشاكل كبيرة جداً، في هذه البلاد التي خلقت على كف عفريت، مع إعترافنا الكبير بأهمية الأزمة وربما الكارثة الإقتصادية؟!
ما هو موقفهم عندما تطرح مواضيع وأسئلة كبيرة كسلاح حزب الله، والمقاومة، والإستراتيجية الدفاعية، وتدخل حزب الله في سوريا، وتعديل إتفاق الطائف، ومجلس الشيوخ، والمناصفة، وإلغاء الطائفية السياسية؟
ما هو موقفهم من إنتخاب نبيه بري أو ربما، لا سمح الله، جميل السيد رئيساً للبرلمان؟
ما موقفهم من تسمية سعد الحريري، أو لا سمح الله أيضا، عبد الرحيم مراد رئيساً للحكومة؟
ما هو موقفهم إذا طُلبت منهم المشاركة في حكومة مع السلطة المجرمة السارقة الفاسدة الفاسقة الظالمة حسب وصفهم؟ وما موقفهم من إعطاء الثقة لها؟
ما هو موقفهم إن تكرر لا سمح الله أيضا، السابع من أيار أو طوّقت بعض الطرقات قمصانٌ سودٌ لفرض أو رفض قرار ما؟
ما هو موقفهم إذا عاد شبح الإغتيالات؟
ما هو موقفهم من كتلة النظام السوري العائدة بأسوء نكهاتها إلى المجلس للأسف؟
من يرى أن هذا تفصيل هو مبتدئ لا يحق له تمثيل الناس ببساطة.
ما هو موقفهم من ازمة عربية مثلاً؟ أو أزمة وصلت إلى أعتاب المجلس النيابي بين السعودية وإيران على سبيل المثال لا الحصر؟
ما هو موقفم من المشاركة في القمة العربية إذا كان “الدق حامي” بين حزب الله والعرب؟
ما هو موقفهم إذا عرقل احد الفرقاء الداعمين لهم سراً، حلّاً إقتصادياً ما؟
ما هو موقفهم، في الموضوع الإقتصادي، عندما يدركون من الداخل أن الحل الذي كانوا يهتفون له في الشارع، وكان جزءاً من دعايتهم الإنتخابية، يضع الإقتصاد أو الليرة اللبنانية في مأزق، وان عليهم تمرير حل آخر لعدم زعزعة الثقة بالوضع الإقتصادي العام؟
ما هو موقفهم إذا وجدوا أن بعض الحلول الصادقة الواقعية المنطقية قد قام بطرحها فريق من أحزاب السلطة وعرقلها فريق آخر؟ واللائحة تطول وتطول.
يا سادة، بعض الحراك صادق ومناضل ومخلص، وهؤلاء قلّة. أما البعض الآخر فصبية يستهونون الهتاف والشعارات وإهانة الناس والإستهزاء بالآخرين ويظنون أن السياسة في لبنان نزهة صيف أو تجربة جميلة أو شمّاعة يعلّقون عليها نرجسيتهم أو كرسي فتشوا عليها في أحزاب السلطة دون جدوى. هؤلاء نعرفهم جيداً، ما أكثرهم! ما أبشعهم! ما أقوى أناهم! ما أقلّ وفاءهم!
للحراك الحق في الترشح والوصول، ولكن لا يحق لأحد الإستهزاء بما فعل ويفعل الآخرون، لا يحق لأحد التعميم لذلك من جهتنا نقول دائماً “معظم أو بعض” الحراك، لا يحق لأحد التصنيف ووضع في الكفة نفسها سعد الحريري وائل أبو فاعور ومروان حمادة وبطرس حرب وستريدا جعجع وغيرهم من جهة وجميل السيد وعلي الحاج والفرزلي ووئام وهاب من جهة أخرى. لا يحق لأحد أن يبني معركته الإنتخابية على وعود غير ممكنة التحقيق، وعلى إيهام الناس وخداعهم، وعلى فكرة أن الإنسان يمكنه أن يحيا بالخبز وحده، خصوصاً في دولة قليلة الحظ كلبنان. هذا خداع حقيقي لا يتناسب مع بروبجندا الشفافية والصدق التغيير!
صمتنا كثيراً، وقلنا دعوا النتيجة للصندوق، قد تكون تجربة الحراك جيدة وإيجابية، لكننا جرّدنا من كل حقوقنا كمواطنين من كل فكرنا وعقلنا ونضالنا وتاريخنا ووعينا ورأينا ورؤيتنا ووجودنا وقيمتنا وقيمنا، نُعتنا بالرجعيين بالفاسدين بالمتخلّفين بالغنم بأتباع أمراء الحرب بالجهلة بالتابعين بالمقموعين والقامعين بالمستفيدين بالمخابرات، فاضطررنا أن نخرج عن صمتنا ونجيب، دون الدخول في الملفات الشخصية والأسماء ودون أي تشهير، بغيض من فيض حفاظاً على مصداقيتنا أمام أنفسنا وأمام الناس الذين نعرفهم جيداً ونعرف أحلامهم وآلامهم وآمالهم ومخاوفهم، ولا نعبث بجراحهم، لأننا بينهم ومنهم ولهم، اليوم وغداً.