قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

فيصل مرعي

كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن القانون الانتخابي الجديد. قانون حتى اللحظة لم نعرف من وضع أسسه، ومن كان الرأس المدبِّر له. ففيما نحن في حيْرة من أمرنا، قلنا: الذي كان له باع طويل في صياغته، وفي اطلاق عنانه، فليجاهر برأيه، وليطرح ذلك علناً، دون خجل ولا حياء. فالواضح تمام الوضوح ان من صنع هذا القانون في الغرف.. وفي ليلة ظلماء، لا شك بأنه يدّعي أبوته في الخفاء، وفي بعض الاحيان تلميحاً لا تصريحاً. فاذا كان لبنان فيه مِشحة من الديمقراطية تاريخياً، فقد جاء هذا القانون ليطمس كل معالم الديمقراطية، وليقف عقبة كأداء امام قيام نظام ديمقراطي علماني، ولو بالحد الأدنى. ومع ذلك قبلنا به في ظل وضع إقليمي متفجّر، وفي ظل وضع اقتصادي سيء، وفي ظل وضع طائفي اسوأ، تمريراً لمرحلة تشوبها الفوضى والاضطرابات سياسياً، واقتصادياً، وحتى اجتماعياً. هذا، فضلاً عما يحدق بنا من أزمات، لا سيما منها الإقليمية.

بيْد أن أسوأ ما في هذا القانون هو إغراق البلاد والعباد في المزيد من التباعد، في وقت يجهد فيه بعض رجالات السياسة المخلصين الى رأب الصدع، ومعالجة كافة المسائل الخلافية والشائكة درْءاً، لما هو آت، ولِما ليس بالحسبان، متخذين الحوار مبدأ، وصولاً لقواسم مشتركة حول كل القضايا المصيرية والاستراتيجية. فاذا كان هذا القانون صيغ لغرض في نفس “يعقوب”، فإنه بات من المحتّم زوال الديمقراطية التي تميَّز بها لبنان عن سائر محيطه. لا، لن نسمح ان تصبح الديمقراطية على قاب قوسين او ادنى من الانتهاء وإن كانت في حالة من الغثيان في الوقت الحاضر نتيجة وقوف البعض حجر عثرة امام نموّها وترعرعها في ارض الثقافات، والحضارات، والحوارات. والاكثر تأكيداً، ان هذا القانون سيرتد على اصحابه أولاً، طال الوقت ام قصر، بسبب انه لا يقيم للشراكة، ولا للعقد الاجتماعي، ولا لهذا التنوع وزناً ومعنى. ونحن هنا، لسنا بصدد تشريح وتفعيل هذا القانون تقنياً، وإنما نعطيه ابعاده السياسية لا غير. فسياسياً، إنه قانون بعيد كل البعد عن حسن التمثيل، وعن حُسن تقسيم الدوائر، وعن تعزيز العيش المشترك.. قانون لم يُوفق بين ما هو مثالي، وما هو واقعي، ولم يستند الى قيم الديمقراطية الشعبية والسياسية..

وعلى هذا، تعتريه شوائب كثيرة، لا تليق بلبنان الرسالة والقيم، لبنان الحرف والألق. وبالمقارنة مع القانون السابق الذي لا نريد، فبالرغم مما خلّف وراءه من طائفية مقيتة، وحروب عبثية، ومن وقوفه سدّا منيعاً بوجه تطلعات وطموحات اولادنا. الا انه كان الافضل من حيث التخيير، وتوزيع المقاعد، وإن كان ليس هو المطلوب لا اليوم، ولا الغد.

قانون الذي ستجري بموجبه عملية الانتخاب، قد خرج خارج أُطر الديمقراطية التي تميز بها لبنان، طوال سبعين سنة ونيّف، وان ديمقراطية مشوّهة، ولا تمت بصلة الى المشاركة الحقيقية، ولكنها الاكثر قبولاً في ظل تعددية الطوائف، وفي ظل احتضانه لفئة كانت تأتمر بأوامر خارجية، محاولة غربنة لبنان وطبعه بطابعها، ناهيك عن انه لم يمهّد، بل لم يأت باستقرار سياسي، يؤدي الى استقرار امني، وبالتالي، الى ازدهار اقتصادي.

في كل الاحوال، القانون الحالي، لا يليق بلبنان لا حاضراً ومستقبلاً، حيث انه قد يجرّنا من جديد الى بعض ما كنا عليه، من انشقاقات، وتصادمات، واشكالات نحن بغنى عنها، قد توصل الشعب الى العمل خارج الأطر الديمقراطية، وخارج الارادة الشعبية، وبعيداً في نهاية الامر والمطاف عن الدولة ومؤسساتها.

نهاية، قانون ليس بنسبي، ولا يشبه النسبية اساساً، ولا حتى مسحة من النسبية. ومع ذلك، نأمل تطويره وتحسينه باتجاه النسبية الكاملة المتكاملة التي وضع اسسها المعلم الشهيد كمال جنبلاط، والتي لا تشوبها شائبة، اي انها لا تشكل طلاقاً، ولا فرقة بين اللبنانيين، ولا تجعل من الناس اسياد وعبيد، ولا يفعل فيه الاعلام والاعلان فيه فعله.

مهما يكن من أمر، فنحن اليوم امام قانون انتخابي لا فكاك ولا مفرّ منه. لذلك، علينا التعامل معه بكل روية وهدوء، أياً يكن الحاصل الانتخابي، وأياً تكن النتيجة، لعله يكون مقدّمة لقانون نسبي كامل متكامل مستقبلياً.

انه فعلاً، قانون انتخابي بلا نكهة سياسية.

(الأنباء)

 

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…

حلم راود اللبنانيين .. (وأي حلم؟!)