سوريا وإعادة تشكيل المنطقة في ظل التصعيد العسكري المتبادل!

يتفق العديد من المتابعين للأزمة السوريا، أن ما بعد الضربة الغربية الثلاثية على المواقع العسكرية السوريا، والمرجح انها دمرت مواقع تخزين وتصنيع المواد الكيماوية، ليس كما قبلها، فعلى الرغم من محدودية الضربة العسكرية ومحدودية تأثيرها الداخلي في موازين القوى العسكرية، فإن أثارها السياسية أكثر فاعلية وتأثيراً عما كانت عليه الأمور قبل الضربة، لناحية قوة التدخل الغربي في مسار الأزمة، وفي وقف أحادية الدور الروسي الذي وصلت خياراته في آستانة وسوتشي إلى طريق مغلق.

فلم يمضِ أسبوع على الضربة الصاروخية، حتى سارعت فرنسا إلى استصدار قرارات من مجلس الامن الدولي تتجه نحو وقف شامل لإطلاق النار ومعالجات إنسانية للمناطق المحاصرة، تمهيداً لحل سياسي.

كذلك تمت الدعوة لاجتماع في بروكسل من أجل إعمار سوريا، ودعوة لاجتماع خماسي يضم الدول الغربية الثلاث أميركا فرنسا وبريطانيا، إضافة الى المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية، والمفترض أن يعقد قريباً في باريس من أجل وضع مسودة تصور أولي لحل الأزمة السورية.

الحراك السياسي الفرنسي يطرح سؤال مباشر حول ما أذا كانت الضربة الصاروخية تشكل تمهيداً لحل الأزمة السوريا، أم أنه مجرد استعجال لاستثمار غير دقيق ولا يرتبط بتعديل موازين القوى الداخلي، وفق تعبير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قال أن “هذه الضربة لا تحل ولا تعدل شيء في ميزان القوى الداخلي في سوريا”.

فالمقاربة الفرنسية تعكس مدى سرعة وجدية التوجه الغربي نحو وضع حلول سياسية للأزمة السورية وفق مقررات جنيف، فيما تواجهها موسكو بتريثها وقالت: “أن الوقت مبكر للتفكير والعمل وفق الأجندة الفرنسية للحل”، هذا التريث الروسي معاكس لهرولة موسكو ذاتها نحو تسريع الحل قبل أشهر قليلة عندما عقدت مؤتمر سوتشي، بهدف تمرير دستور جديد لسوريا ورسم حل سياسي لازمتها التي تجاوزت السنوات السبع، في الوقت الذي كانت الدول الغربية قد تقدمت بورقة تتضمن مواداً لدستور آخر سلمته لمندوب الأمم المتحدة ستيفان دي مستورا، كذلك إيران والنظام السوري لم يكونا على عجلة من أمرهما في هذا المجال، بل ساهما مساهمة جادة في عرقلة مسار سوتشي أمام حليفهم الروسي.
مصادر دبلوماسية متابعة لمجريات الحدث السوري، وصفت الاستعجال الفرنسي بأنه “محاولة إثبات حضور ومحاولة استرجاع للدور، أكثر منه قناعة بأن الوقت حان لرسم حلول استراتيجية لسوريا، لأن هذا الحل الاستراتيجي لم يعد حلاً سوريا، بقدر ما هو حجر زاوية في تشكيل نظام إقليمي جديد”.

فالسؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه أمام تلك المسارات السياسية التي تلت الضربة العسكرية، هل نحن في مرحلة صياغة جديدة للمنطقة تشكل سوريا الركن الأساسي في بناء شرق أوسط جديدة؟ أم أن الوقت ما زال مبكرا لمثل هذا التفكير ولهذا الشروع؟ سيما وأنه لا يزال هناك عقبات كبيرة أمام سياقات الحلول تلك، ومن ابرزها التصعيد السياسي الإعلامي الأمن الإسرائيلي – الإيراني، والذي تجلى في ضرب إسرائيل لقاعدة الـ (تي فور) الجوية، وضرب الوجود الإيراني في سوريا، وتصعيد آخر إسرائيلي – روسي لانتزاع مساحة حركة حرة تتناسب والتطلعات الإسرائيلية في جنوب سوريا، وصل هذا التصعيد الى حد التهويل بالحرب الإقليمية.

تذهب إسرائيل في سياستها الإعلامية في تعاملها مع الخصوم، إلى رفع مستوى الصراع إلى إيديولوجي يلامس الحالة الوجودية، وتستنفر جمهورها إلى أقصى درجة ممكنة، ويطلق قادة الجيش كلاماً عال النبرة عن أن الجيش جاهز للدفاع عن دولة إسرائيل، هذا الكلام يتكرر بانتظام ممل مع حركة حماس وحزب الله، والآن يأخذ بعداً جديداً عندما وقع صداماً مباشرا للمرة الأولى في قاعدة الـ (تي فور) مع الحرس الثوري الإيراني.

فالحديث عن استعداد إسرائيل للحرب هي من صلب مهنة إسرائيل وسياساتها، وهي في الواقع مستعدة دائما للحرب، ودائماً قادرة على شن الحرب، لكن “الأمر الحالي ليس بيدها ولا يخضع لمصالحها الخاصة فقط، خاصة وأن الموضوع يتعلق في الأزمة السوريا التي تشكل حجر أساس في إعادة صياغة المنظومة الأمنية السياسية الاقتصادية للشرق الأوسط القادم”، ولذلك لا يمكن تصور حدوث أي عمل عسكري إسرائيلي يتجاوز الخطوط الأميركية الاستهدافات الأميركية الأساسية الراهنة في سوريا.

هذا لا يعني وفق المصادر، أنه لن يكون هناك صدامات عسكرية إذا ما قررت إيران ذلك، بحيث أنها بحاجة الى رد فعل عسكري “يستر ماء وجهها بعد الضربة الإسرائيلية لقاعدة الـ (تي فور) والتي سقط فيها عناصر قيادية من الحرس الثوري”، لكن حتى رد الفعل العسكري الإيراني لن يواجه بحرب إسرائيلية واسعة، إنما قد يواجه بغارات وضربات أكثر قسوة وأكثر تأثيراً تشعر إيران أن استهداف القوة الإسرائيلية يدفعها أثمان مضاعفة، وليست كما قال اللواء قاسم سليماني “تشييع عسكريين مقابل تشييع عسكريين”.

تقول المصادر إن “أساس الصراع بين إسرائيل وإيران، لا يسمح بوقوع حرب شاملة بينهما، لا من الناحية الجغرافية ولا من الناحية السياسية ولا الاقتصادية”، فإيران تقف اليوم على عتبة عقوبات جديدة أوصل أثرها الصراع الداخلي إلى ذروته، كما أوصل مستوى الاحتجاجات الشعبية الى حالة غير مسبوقة لم تشهدها الجمهورية الإسلامية من قبل، وهذه العوامل لا يمكن تصديرها إلى الخارج على شاكلة حرب شاملة.

إيران اليوم غير قادرة على شن حرب خارجية كبيرة وليس لها مصلحة بذلك، كما أن إسرائيل لن تغامر بأبعد من ما تتيح لها به الاستراتيجية الأميركية، لأنها تدرك أن أي مغامرة خارجة عن هذه الاستراتيجية، سوف تجعلها تحت ضغط رئيسي من واشنطن للالتزام بحدودها، وعليه فإن هذا التهويل بالحرب يمكن إدراجه في سياق الحملة الموازية التحضيرية لقرار الرئيس دونالد ترامب المرتقب من الاتفاق النووي الإيراني، ويمكن إدراجه أيضاً وبدرجة من الدرجات الى الفشل الأوروبي بانتزاع موقف إيراني يمكنها من التفاوض على أساسه مع ترامب لتعديل الاتفاق النووي الإيراني، بدلا من إلغائه، وبالتالي يساهم التصعيد الإسرائيلي بعملية الضغط السياسي المتوقع ارتفاع منسوبها إلى أقصى مدى في الأسابيع القادمة حيث تنتهي في أواسط أيار المقبل المهلة التي وضعها الرئيس الأميركي لإصدار قراره من الاتفاق النووي، ولا يمكن اعتبار ذلك التصعيد التهديد الإيراني والإسرائيلي بأن الحرب قادمة.

*فوزي ابو ذياب- “الأنباء”