الحل في سورية وفق نموذج كوسوفو

رضوان زيادة (الحياة)

خلال حرب كوسوفو عام 1999 قام حلف شمال الأطلسي «الناتو» بقصف أهداف تتبع للقوات المسلحة اليوغوسلافية واستمرت الضربات الجوية من 24 آذار (مارس) 1999 إلى 10 حزيران (يونيو) 1999 واستمر سقوط الصواريخ حتى تم التوصل إلى اتفاق أدى إلى انسحاب القوات اليوغوسلافية من كوسوفو وإنشاء بعثة الأمم المتحدة للإدارة الموقتة فيها، وهي بعثة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في كوسوفو.

برأيي أن هذا هو السيناريو الوحيد الذي يمكن أن يعيد الاستقرار إلى سورية، ضربات جوية ضد نظام الأسد تجبره على القبول بالحل السياسي الذي يجب أن يكون تحت إشراف الأمم المتحدة بحيث يضع سورية تحت إشراف الأمم المتحدة لفترة موقتة بما يمكّن السوريين من إجراء انتخابات حرة ونزيهة يجري اختيار قيادة جديدة وفقها. من دون ذلك لا أعتقد أن الأسد سيكون جاداً في الوصول إلى أي حل سياسي.

لقد تدخل الناتو في يوغسلافيا السابقة من دون الحصول على قرار صريح من مجلس الأمن للقيام بعمل عسكري كما أن الصين وروسيا عارضتا باستمرار أي استخدام للقوة ضد الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش تماماً كما يبدو الوضع في سورية اليوم تحت قيادة الأسد. ولذلك أطلق الناتو حملته العسكرية والصاروخية التي استمرت 78 يوماً من دون تفويض من الأمم المتحدة، والتي كانت كافية لإجبار ميلوسوفيتش بقبول الحل السياسي.

لقد أطلقت الولايات المتحدة على هذا التدخل العسكري بوصفه «تدخلاً إنسانياً» لا سيما بعد زيادة عدد النازحين واللاجئين من ألبان كوسوفو إلى مئات الألوف الذين لجأوا إلى دول الجوار، كما هي حال سورية اليوم لكن بعد ضرب هذا العدد من اللاجئين السوريين بالملايين المنتشرين ليس فقط في دول الجوار وإنما في كل الدول الأوروبية.

لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها حلف الناتو القوة العسكرية من دون موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لكن من دون هذه الجرأة والشجاعة السياسية للرئيس كلينتون ورئيس الوزراء البريطاني لربما استمر النزاع في كوسوفو عشرات السنين، ولذلك ما زالت تحتفظ كوسوفو بتمثال ضخم للرئيس كلينتون في عاصمتها بريشتينا.

لقد كانت الضربات العسكرية التي استمرت 78 يوماً على ميلوسوفيتش الرسالة الحاسمة في دفعه لقبول المفاوضات السياسية والتوصل إلى اتفاق، فمن دون هذه الاستراتيجية سيبقى الأسد طليقاً في أوهامه التدميرية التي تجعله يعتقد أنه حر في قتل من يشاء كيفما يشاء وبأي سلاح شاء، فهو شخص لن يقيم احتراماً لفكرة القانون الدولي فضلاً عن احترام فكرة أن سورية التي يقبع على جثثها لن تخضع له كما يريد ويتوهم وأنه لن يستطيع العودة بعقارب الساعة إلى ما قبل عام 2011.

في عام 2012 كتبت مقالاً في «الفاينانشال تايمز» قلت فيه أن نموذج كوسوفو يقدم لنا طريقاً للحل في سورية، للأسف الآن وبعد ستة أعوام بعد أن ارتفع عدد ضحايا الصراع السوري إلى أكثر من 800 ألف ضحية وزاد عدد اللاجئين إلى أكثر من ثمانية ملايين لاجئ نعود لنتذكر أن طريق كوسوفو ربما كان يوفر على السوريين الكثير من الألم والدم الذي سفك على أعتاب المدن السورية المختلفة.

وكتب بيل كلينتون، الذي اتخذ القرار بالتدخل في كوسوفو بكل جرأة قائلاً: «إن حرق القرى وقتل الأبرياء كان تاريخاً. كنت أعلم أن الأمر كان مسألة وقت قبل أن يكون ميلوسيفيتش تاريخاً أيضاً». في سورية اليوم، نرى التاريخ يعيد نفسه. إن «إحجام المجتمع الدولي عن العمل يطيل الفظائع والجرائم بحق المدنيين السوريين».

ذكرت حينها أنه كما هي الحال في كوسوفو، يجب على المجتمع الدولي– أن يشكل بعثة مشتركة بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية– تشرف على الحل السياسي وتضمن وصول كل المساعدات الإنسانية إلى كل المناطق من دون استثناء بما يخفف من التوتر الطائفي ويحمي المدنيين في شكل يساعدهم على المشاركة في الحل السياسي لما بعد الأسد.

إن تقاعس المجتمع الدولي عن اتخاذ التدابير الضرورية جرأ الأسد على استخدام السلاح الكيماوي عشرات المرات كما أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وبالتالي إذا لم تغير الولايات المتحدة اليوم استراتيجيتها باتجاه حل سياسي شامل في سورية على طريقة كوسوفو، فإن استخدام الأسد للسلاح الكيماوي مجدداً هي ربما تكون مسألة وقت، لا سيما أن الهدف التالي للأسد هو إدلب التي تؤوي الآن الملايين من المهجرين الذين طردهم الأسد من بيوتهم إلى الشمال السوري، وبالتالي بالنسبة للأسد ومؤيديه تعتبر هدفاً مشروعاً كاملاً لاستخدام السلاح الكيماوي لإبادة كل من تمرد على حكومته في يوم من الأيام.

  • كاتب سوري