القطاع الهندسي: مسيرة تضحية وعطاءات

خمسة وعشرون عاما وقطاع المهندسين يسير بخطوات ثابتة في مسيرة نقابية زاخرة بالعطاء ومكللة بالنجاح بدعم ورعاية من رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط.

خمسة وعشرون عاما والمسيرة مستمرة، بجهد كوكبة من الزميلات والزملاء، إرتضوا لأنفسهم السير على الدروب النقابية من أجل تحسين وتطوير هذه المؤسسة الراعية لحياتنا المهنية.

خمسة وعشرون عاما والراية مرفوعة، متنقلة، من زميل الى أخر دخلوا مجلس النقابة وقدموا أنفسهم أعضاء ملتزمين، جديين، فاعلين في هذا المحيط المتبدل والمتنوع والمتغير في كل عام وفق التحالفات والخيارات الإنتخابية الموفقة حينا والمتعثرة أحيانا اخرى.

تداور على عضوية مجلس النقابة ثمانية ممثلين لقطاع المهندسين، بدءا من الزميل أكرم صعب ومرورا بكل من أمين الحلبي وبشير أبي عكر، نزيه زيعور، أيمن زين الدين، محمد بصبوص ومروان شروف وصولا الى المرحلة التي شغلت فيها هذا المنصب الذي إنتقل منذ أيام قليلة الى زميل أخر هو فراس أبو ذياب.

إن هذه المراحل والتي تنوع فيها التمثيل وتوحدت فيها الرؤيا، شكلت المداميك الذي ثبت فيها القطاع الهندسي في الحزب التقدمي الإشتراكي أقدامه في المعترك النقابي ليبقى الإطار المتميز عن سواه بين الأحزاب بديناميته وخصوصية نشاطه المرتكز على دراسة الملفات النقابية والدفع بإتجاه توسيع حلقة الداعمين لكل توجهاته الهادفة الى الرفع من شأن المهنة وتحصين المهندس اللبناني.

هذا العرض المختصر لنشاط القطاع الهندسي وعلى مدى ربع قرن من الزمن والذي سبقته مرحلة غنية من العطاء والنجاحات قامت بها مجموعة من الزملاء الأوائل عبر ما سمي آنذاك بمكتب شؤون الخريجين في الحزب التقدمي الإشتراكي، يهدف الى التأكيد على قناعة ثابتة وراسخة بأن تظافر جهود المهندسين وفي كل القطاعات الهندسية هو القادر على إحداث التغيير المنشود في هذه المؤسسة الراعية لشؤوننا النقابية والمهنية والصحية.

إن من يشغل عضوية مجلس النقابة لا يسعه الخروج منه دون الشعور بالقلق على مصير هذه المؤسسة والسبب يعود الى الامور التالية:

– غياب الرؤيا الواضحة في بعض الأحيان لمسارات عمل المجلس بما يتناسب مع تطور الإداء الهندسي.

–  التباطأ في التحول الضروري والمطلوب لنقابة المهندسين الى مؤسسة رقمية عصرية .

–  غياب القوانين العصرية التي تحاكي التحديات والأزمات القائمة في البلد، إن كان على مستوى المهنة ومتطلباتها أو على المستوى الوطني العام.

لقد شهدت نقابة المهندسين مرحلة إصلاح حقيقية في تسعينيات القرن الماضي أي في المرحلة الذي كان النقيب الراحل عاصم سلام على رأس هذه المؤسسة جيث تم آنذاك إقرار النظام الداخلي والنظام المالي  وشكلت تلك المرحلة إقرارا جديدا لنظام تسجيل المعاملات. حصل كل ذلك وعدد المهندسين حينها لم يتجاوز الـ 25 ألف مهندس، جزء كبير منهم كان يعمل خارج البلاد وأخرين أحيلوا على التقاعد.

الأسئلة المطروحة اليوم على بساط البحث:

1-    هل الأنظمة القائمة اليوم ومنذ التسعينات قادرة على خلق حالة إنتظام وتطور في نقابة المهندسين؟

2-    هل هذه القوانين والأنظمة كفيلة بإدارة مؤسسة ضالعة ومنخرطة في كل المشاريع ذات البعد الوطني؟

3-    هل القوانين والأنظمة مواكبة فعلا للتطور العلمي والمهني والتكنولوجي وقادرة على محاكاة شؤون وشجون المهنة؟.

4-    هل هذه القوانين والأنظمة قادرة على تنظيم وإدارة مؤسسة بعد هذا التطور المذهل لأرقام المهندسين المنتسبين والذي سيصل عددهم الى مئة ألف مهندس بعد عدة سنوات؟.

(تم تسجيل 3200 مهندس تقريبا في العام 2016 و2400 مهندس في العام 2017).

أسئلة كثيرة يمكن طرحها على المهندسين وعلى الجميع الإجابة عليها، في هيئة المندوبين التي تتمتع بدور محدود وغير فعال، ومجلس النقابة الغارق دوما بنقاش التفاصيل والجزئيات والغائب في بعض الأحيان عن قيامه بمقاربة جدية هادفة الى تجديد إستراتيجيات تطويرية لمؤسسة كبيرة في هذا المجتمع.

إن مجلس النقابة ومن خلال ما نشهد من مداولات في جلساته الدورية، عاجز عن القيام بدوره الإصلاحي الفعال، بسبب تركيبته الهجينة، فالانتخابات النقابية لا تؤدي في الكثير من الأحيان الى الإتيان بأعضاء نقابيين إصلاحيين، يضعون في سلم أولوياتهم الرفع من شأن المهنة ولا ندعي القول اذا أشرنا الى أهمية دور القطاع الهندسي والحزب التقدمي الإشتراكي الرائد في هذا المجال الذي أعطى مثالا يحتذى به في خياراته حيث يعتبر وبنظر الجميع الحزب المبادر دوما الى تقديم أفضل الكادرات النقابية على هذا الموقع والتجربة خير دليل على ذلك.

الواقع القائم اليوم على مستوى المهنة والمتمثل بأعداد هائلة من المهندسين الى جانب إرتفاع نسبة البطالة بسبب الركود الإقتصادي في لبنان وفي منطقة الخليج والعالم، فضلا عن تدني المستويات العلمية لخريجي بعض مدارس الهندسة، يتطلب وقفة جدية ثابتة تحد من هذا التدهور الحاصل وتمنع تفاقم وحدة الأزمة المتنظرة.. لذا يمكن إقتراح الخطوات العملية التالية:

قيام القطاع الهندسي في الحزب بإطلاق مبادرة قائمة على التواصل والتنسيق مع كل القطاعات الهندسية الاخرى والعمل على إعداد مقترحات إصلاحية محددة لنقاشها مع هذه القطاعات وإقرارها ومتابعتها الأمر الذي يشكل إطارا فعالا لنقاشها في المجلس وبالتالي يؤدي الى وضع الآمور في نصابها الصحيح والمطلوب. حيث يمكن التركيز على الملفات والقضايا التالية:

– مشروع إقتراح متعلق بتعديل النظام الداخلي (توسيع صلاحيات هيئة المندوبين لخلق تشاركية ضرورية بين المندوبين ومجلس النقابة)

– مشروع إقتراح متعلق بتطوير النظام المالي (إقرار آليات واضحة لتنظيم الصفقات المالية من مناقصات وإستدراج عروض وغيرها  مع ضرورة إعادة النظر بموضوع الصلاحية في المناقلات المالية ضمن بنود الموازنة)

–  مشروع إقتراح متعلق بالسبل الآيلة الى الحد من أعداد المهندسين وذلك من خلال إقرار ضوابط قانونية ضامنة للمستوى العلمي المطلوب لدخول كليات الهندسة. (هذه المسألة تتطلب التنسيق مع المعنيين في الحكومة ومجلس النواب لإقرار التشريعات الملاءمة)

–  مشروع إقتراح متعلق بإقرار ألية إدارية ورقابية فاعلة لصندوق التفديمات الإجتماعية يضمن الخدمات الصحية الجيدة  ويمنع أي تسرب مالي منه كما يضبط العلاقة مع المستشفيات من أجل خدمة افضل للمهندس وبأوفر الأسعار. (التخلي عن فكرة مأسسة الصندوق لما لها من نتائج سلبية كارثية على المدى البعيد، خير دليل على ذلك التجربة الفاشلة للمأسسة في بعض قطاعات المهن الحرة).

ما يدفعنا لطرح هذه القضايا المفصلية هو غياب الآليات الفعالة في النقابة للقيام بهذه المبادرات والمقاربات التي تبعث الأمل بتطوير أنظمتنا وصولا الى مرحلة يصبح فيها بيت المهندس بيتنا الحقيقي، تحت سقفه نعيش، ونحتمي من غدر زمن أت اذا ما تم إستدراك وقراءة المرحلة المقبلة.

في النهاية كل التمنيات بالنجاح لقطاع المهندسين الذي كان وسيبقى المثل والمثال في نشاطه البنيوي وتطور أليات عمله على مدى ربع قرن. هذا القطاع الذي شكل في العام 2000 الرافعة الأساسية لجمعية الخريجين التقدميين وساهم دوما في كل إستحقاق وطني مدعو اليوم الى القيام بدور وطني جديد من خلال مشاركته الفعالة في المعركة السياسية الكبيرة التي نخوضها في وجه القوى الساعية دوما الى إضعاف دورنا الوطني الفاعل في النقابة وعلى مستوى الوطن..

كلنا مدعوون للدفاع عن هذا الوجود الضامن للوحدة يوم 6 أيار الذي يعتبر إستحقاق مفصلي بإمتيار، الإنتصار فيه ضمانة للمستقبل وتعطيل مطلوب لأحلام الإستئثار في السلطة التي كلفت لبنان الكثير على مدى عقود وكان مصيرها الفشل بفضل وقفات أهله ومناضليه المشرفة..

 

(*) المهندس د. وليد ملاعب