“قمة القدس” تأكيد عربي على دعم وقيام دولة فلسطين

لمدة خمس ساعات ونصف الساعة، استضافت المملكة العربية السعودية في مدينة الظهران القمة العربية الـ29 للقادة والملوك والرؤساء العرب، وسط أجواء من الخلافات والانقسامات العربية المتفاقمة، ووسط أجواء من التصعيد السياسي والعسكري التي تعيشه الدول العربية بما فيها المملكة السعودية التي تعرضت قبل أيام لرشقات من الصواريخ البالستية الإيرانية الصنع والتي تمتلكها ميليشيا الحوثي في اليمن، والتي تقود ضدها المملكة تحالفاً عربيا عسكريا لدعم السلطة الشرعية فيها ووقف التمدد الإيراني.

كما انعقدت القمة على مسافة ساعات من تعرض النظام السوري المتحالف مع إيران وروسيا، لضربات صاروخية من الدول الغربية الكبرى (أميركا وبريطانيا وفرنسا) على خلفية ردع النظام ومعاقبته على استخدامه السلاح الكيماوي ضد المدنيين في مدينة دوما – في الغوطة الشرقية – والتي انقسمت الدول العربية حولها بين مؤيد لها ومستنكر لتلك الضربات.

كما يأتي انعقاد القمة وسط تصعيد أميركي غير مسبوق تجاه القضية الفلسطينية، حيث حدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب شهر أيار المقبل موعداً لنقل سفارة بلاده إلى القدس، بعد أن اعترف إدارته بها عاصمة لدولة إسرائيل اليهودية، في خطوة لم يقدم عليها الرؤساء الأميركيين من قبله، حيث شكلت القدس ومنذ انطلاق عملية المفاوضات السلمية في مدريد 1991 واحدة من الملفات الخلافية، قبل أن توضع على جدول ما سمي بمفاوضات الحل النهائي بعد توقيع اتفاق أوسلو 1993.

الملفات الثلاث القدس – سوريا – اليمن، إضافة إلى الملف الإيراني، شكلت محاور أساسية في جدول أعمال القمة
التي افتتحت أعمالها في مدينة الظهران السعودية بعد ان تقرر نقلها من الرياض لأسباب لم يتم الكشف عنها، ونادرا ما يؤدي هذا النوع من القمم إلى إجراءات عملية تترك أثرها في الواقع العربي. إلاّ أنه عام 2011 اتخذت القمة العربية قراراً قويا علقت خلاله عضوية سوريا وحملت رئيسها بشار الأسد المسؤولية عن الحرب الأهلية الدائرة في بلاده. ومنذ ذلك الحين شغر المقعد السوري فيما لم تغب الأزمة السورية عن جدول أعمال القمم العربية.

وكما جرت العادة بأن تتولى الدولة المضيفة رئاسة القمة لدورة كاملة، سلم العاهل الأردني عبد الله الثاني الرئيس السابق للقمة، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز رئاسة الدورة الحالية، احيث أعلن افتتاح القمة 29 العادية وأطلق عليها اسم “قمة القدس”.

وفي مستهل كلمته، أكد الملك سلمان إن القضية الفلسطينية هي قضيتنا الأولى وستظل كذلك. معربا عن استنكاره لقرار الإدارة الأميركية نقل سفارتها إلى القدس، وشدد على ضرورة أن تكون القدس الشرقية عاصمة لفلسطين. وأعلن عن تبرع بلاده بـ150 مليون دولار لبرنامج دعم الأوقاف الإسلامية بالقدس وبـ50 مليون دولار لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (للأونروا).

وقال أمام قادة ورؤساء وممثلي الدول العربية “نجدد الإدانة الشديدة للأعمال الإرهابية التي تقوم بها إيران في المنطقة العربية، ونرفض تدخلاتها السافرة في الشؤون الداخلية للدول العربية”. ودعا المجتمع الدولي لتهيئة كافة السبل لإيصال المساعدات الغذائية والطبية إلى اليمن، وفيما يخص الأزمة الليبية، قال الملك سلمان إن اتفاق الصخيرات هو الطريق للحل في ليبيا والذي يضمن وحدة أراضيها.

وشدد اعلى أن الأمن القومي العربي منظومة كاملة لا تقبل التجزئة، ورحب بالتوافق العربي على قيام قمة ثقافية عربية. وأعلن عن تقديم المملكة مبادرة للتعامل مع التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي.

ولم يذكر الملك السعودي في كلمته اسم الجمهورية العربية السورية، الغائبة عن اجتماعات القمة العربية منذ العام 2011، كما لم يتم التطرق إلى الأزمة الخليجية خلال أعمال القمة.

من جهته، أكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني رئيس القمة العربية السابقة على الحق الأبدي للفلسطينيين والعرب والمسلمين في القدس. وقال إن “واجبنا الوقوف مع الفلسطينيين في صمودهم لتحقيق دولتهم”. وبارك ملك الأردن للشعب العراقي انتصاره على تنظيم داعش الإرهابي. مؤكدا دعمه جميع المبادرات والحلول لخفض التصعيد في سوريا.

أما الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط رأى، أن الأزمات في منطقتنا تخصم من رصيد أمننا القومي. وقال في كلمته أن “التحديات الحالية تدعونا لحوار حول أولويات الأمن القومي العربي”. واعتبر أن التهديدات الكبرى التي تواجه العرب تتساوى في أهميتها وتتطابق في خطورتها. ولفت إلى أن قضية فلسطين شهدت انتكاسة بعد إعلان نقل السفارة الأميركية للقدس، مؤكدا على ضرورة دعم رؤية الرئيس محمود عباس بشأن القضية الفلسطينية.

وفي الملف السوري، حمل أبو الغيظ النظام السوري مسؤولية انهيار سوريا وفقدان كرامتها. واعتبر أن التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية لا تستهدف الخير للعرب. وقال إن إيران دعمت “عصابات مارقة” في اليمن لتهديد أمن السعودية، مشددا على ضرورة التضامن مع السعودية في إجراءاتها لضمان أمنها.

القمة العربية التي انعقدت في مدينة الظهران القريبة من إيران، حضرها أكبر عدد من القادة العرب منذ قمة قصر “أنشاص” بمصر عام 1946، (16 زعيما من أصل 22). تغيب عنها 6 زعما لأسباب مختلفة. شدد بيانها الختامي، على ضرورة التصدي “لمحاولات تهويد القدس”. اتهم سوريا باستخدام السلاح الكيميائي ضد شعبها، لم يدن العدوان الثلاثي على أراضيها، راعا الموقف الرسمي اللبناني بعدم ذكر اسم حزب الله في البيان معتمدا النص الذي ورد في قمة عمان،

ومما جاء في البيان الختامي للقمة التي حملت اسم “قمة القدس”، “يجب العمل على الدعم العربي لنصرة القضية الفلسطينية، ولقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 حزيران من عام 1967، وفقا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية، والوقوف صفا واحدا ضد المحاولات لتصفية قضية فلسطين وتهويد القدس ودعم صمود أهلها”.

كما أكد البيان على ضرورة تحصين الأمة العربية ضد الإرهاب، والتصدي للتدخلات الإقليمية في شؤون الدول العربية.

وأضاف أنه يجب “التيقظ إزاء الأخطار المحيطة بأمن المنطقة جراء الأطماع الإقليمية التي تستبيح أراضي الدول العربية وتستهدف عواصمها وهويتها الوطنية”.

ودعا البيان “دول الجوار الإقليمي العربي للالتزام بمبادئ حسن الجوار و احترام سيادة الدول العربية، والتصدي لمحاولات تقويض سلطتها من قبل الأطراف الإقليمية والوكلاء والأحزاب والمليشيات التابعة لهم داخل الدول العربية”.

كما جدد الدعوة للأطراف الإقليمية للامتناع عن تزويد المليشيات التي تهدد الدول العربية واستقرارها، بالسلاح والأموال، مؤكدا على حق أي دولة عربية في الحفاظ على أمنها واستقرارها والدفاع عن نفسها.

وأضاف البيان أنه سيتم تسريع وتيرة آليات العمل العربي المشترك في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، وتنفيذ الاستراتيجيات العربية في تلك المجلات لتحقيق التنمية المستدامة.

وتم تكليف الأمانة العامة للجامعة لمتابعة تنفيذ مضامين هذه الوثيقة بالتنسيق مع الدول الأعضاء من خلال الاستراتيجيات والآليات العربية المعمول بها في الإطار العربي للعمل المشترك، بما في ذلك لجنة مبادرة سلام عربية وآليات التكامل الاقتصادي العربي والاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب واللجنة الوزارية الرباعية المعنية بمتابعة تطورات الأزمة مع إيران والتصدي لتدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول العربية

فوزي ابو ذياب- “الأنباء”