القطبة المخفية في تصعيد إرسلان ضد جنبلاط

منير الربيع (المدن)

غالباً ما يشهد خط خلدة- المختارة سجالات حادة، لكنها كانت تنتهي بتهدئة وتسوية أي خلاف. تبرر حماوة المعركة الانتخابية فتح معارك إعلامية وسياسية، وهذا ما بادر إلى فتحه النائب طلال إرسلان ضد النائب وليد جنبلاط، عبر توجيه رسالة علنية قاسية له، مسقطاً في ذلك كل قواعد الاشتباك بينهما.

اتهم إرسلان جنبلاط بأنه يستمد قوته من خلال “التزعم على مجتمع ضعيف يحتاج إليك في كل شيء بالترغيب أو الترهيب”. أضاف: “نحن نقرأ في كتابين مختلفين جداً وفي قاموسين لا يلتقيان في مقارباتنا للأمور”، مذكّراً بأنه دعا جنبلاط ليكون أول من يبادر إلى “عقد اجتماع درزي في لبنان للبحث الجدّي في مستقبل وجودنا في هذا البلد”، موضحاً أنه لم يلمس لديه “جدية في الأمر أو أخذت منك جواباً مقنعاً”. واتهمه بأنه “يدّعي ويصور نفسه ضحية عند كل استحقاق”، فيخترع “خصوماً وهميين ليشد بهم العصب المهترئ حتى أوصل نفسه إلى مكان لا يحسد عليه”.

اكتفى جنبلاط برد ساخر على طريقته. فهو لا يريد توسيع دائرة السجال، لأن المعركة “ما بتحرز”. وقال: “أما وأنني على مشارف الخروج من المسرح أتمنى له التوفيق مع هذه الكوكبة من الدرر السندسية والقامات النرجسية. أنتم كما قال جبران في النور المظلم، ونحن في العتمة المنيرة”.

المشكلة لدى إرسلان واضحة، وفق ما تعتبر مصادر متابعة. فهو يريد أن يترأس كتلة نيابية، لكنه غير قادر على ذلك، ومشكلته ليست مع جنبلاط، بقدر ما هي مع خياراته وحلفائه. هكذا، يختصر الإشتراكيون المعركة التي أراد إرسلان فتحها، ويعتبرون أنه اتهم جنبلاط بما ابتلي به هو. فهو من يصوّر نفسه بأنه ضحية ومحاصر، ويذهب إلى فتح معارك وهمية، فيما جنبلاط كان ليناً وحريصاً على التعاون معه، وترك له مقعداً شاغراً، وكان مستعداً لمنحه مقعداً آخر وربما أكثر، لكن إرسلان رفض. وتسري مقولة في جبل لبنان بأنه لو أن جنبلاط لم يترك مقعداً لإرسلان لما وصل إلى المجلس النيابي.

ولا يبدو أن القصة ابنة زمانها. إذ لدى إرسلان حسابات دفينة، وفق ما يعتبر الإشتراكيون. وهو كان يعتبر أن القانون الجديد سيمثل فرصة له ليصبح رئيساً لكتلة نيابية، لكن آماله خابت مجدداً. واللافت هنا أن هجوم إرسلان على جنبلاط يأتي في توقيت تدعي فيه المختارة تعرضها لمحاولات حصار، وبإعادة إنتاج الوصاية السورية في جبل لبنان، من خلال بعض الترشيحات والتحالفات. وهذا ما يقود الإشتراكيين إلى اعتبار أن إرسلان ارتضى لنفسه أن يكون رأس حربة في مواجهة جنبلاط وإزعاجه، بدلاً من الذهاب إلى التحالف معه. ما يدّل على أن حسابات إرسلان تتخطى الشوف وعاليه وترتبط بتوجهات سورية، خصوصاً أن هؤلاء لن يوفروا أي فرصة لاستهداف جنبلاط.

تعود الحسابات إلى العام 2000. حينها، عملت الوصاية السورية على إرضاء جنبلاط بدمج الشوف وعاليه معاً، لكن على الأرض جرت محاولات لمحاصرته عبر الترشيحات والتحالفات. فقاد المحور المناهض لجنبلاط حملة شرسة ضده، تخللها ضخ تقديرات بأنه لن يحصل سوى على عدد قليل من النواب. لكن الرد جاء في صناديق الاقتراع. اليوم، ثمة تكرار لتلك التجربة يتلمسه الإشتراكيون، سواء أكان بالترشيحات كإعادة علي الحاج إلى الواجهة، أو في السياسة التي ينتهجها الوزير جبران باسيل.

تقول المصادر إن مشكلة إرسلان أنه كان يريد كتلة، لكن حساباته هي التي منعته من تحقيق ذلك. فمنذ سنوات كان يصرّ على ترشيح مروان أبو فاضل ومروان خيرالدين. وخلال المفاوضات بين الطرفين، طالب إرسلان جنبلاط بترشيح مروان خيرالدين وضمان نجاحه، فأجاب جنبلاط بأن ليس لديه مشكلة، لكن الأمر يعود إلى الرئيس نبيه بري، المتمسك بالنائب أنور الخليل في حاصبيا. حينها، كان جواب بري بأن على خيرالدين التوافق مع خاله، أي مع أنور الخليل في شأن من يريد الترشح، وبعدها لا مشكلة لدى رئيس حركة أمل. لكن بري طلب، إذا جرى التوافق على خيرالدين، أن يكون في كتلة التنمية والتحرير، لأن أمين سرّ الكتلة هو النائب الدرزي. فرفض إرسلان ذلك.

في ما بعد حاول إرسلان طرح ترشيح خيرالدين في دائرة بيروت الثانية. فاعتبر جنبلاط أن الحريري هو صاحب الكلمة في بيروت، وهناك تحالف بين الإشتراكي والمستقبل في هذه الدائرة. لكن، إذا استطاع إرسلان اقناع الحريري بذلك، فلا مشكلة. لكن، إرسلان لم يوفق في مسعاه. فعاد وطالب بمقعد في بعبدا، لكن الجو الدرزي والإشتراكي في هذه الدائرة ممتعض منذ 9 سنوات، على خلفية فوز النائب فادي الأعور، الذي يعتبرون أنه لا يمثلهم. وفي هذه الدائرة هناك 13 ألف صوت درزي للإشتراكي مقابل نحو 1500 صوت للحزب الديمقراطي. بالتالي، ليس من العدل التنازل عن هذا المقعد.

بالإنتقال إلى عاليه، وقبل إعلان اللائحة وإنهاء صيغة التحالفات، أرسل جنبلاط النائب غازي العريضي إلى إرسلان للتشاور، وقدّم له عرضاً بأن يشكلا لائحة تحالفية بينهما، تضم مروان أبو فاضل عن المقعد الأورثوذكسي. فأجاب إرسلان بأنه أبرم تحالفاً مع التيار الوطني الحر. حينها، لم يكن تحالف الإشتراكي قد حسم مع القوات نهائياً، لكن بعد هذا الجواب، ذهب جنبلاط إلى التحالف مع القوات، مع الإصرار على ترك مقعد شاغر لإرسلان. عليه، يعتبر الإشتراكيون أن إرسلان ذهب ضحية حساباته، وهذه الاستفاقة المتأخرة هي التي دفعته إلى استخدام لغة التصعيد ضد جنبلاط.