كيف ستستعد إيران لانسحاب أمريكي محتمل من «خطة العمل المشتركة الشاملة»؟

يعتقد الكثير من المراقبين أن إقدام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الآونة الأخيرة على تعيين اثنين من المعارضين لإيران في منصبين رفيعي المستوى – وهما جون بولتون في منصب مستشار الأمن القومي ومايكل بومبيو في منصب وزير الخارجية – يمثّل مؤشراً إضافياً على انسحابه من الاتفاق النووي الشهر المقبل، وهو موعد المهلة النهائية التالية لتمديد فترة الإعفاءات من العقوبات. وعلى الرغم من أن رد طهران على هذه التعيينات كان خافتاً إلى حدٍ ما حتى الآن، إلا أن هذا الأمر لا يُعتبر مفاجئاً نظراً إلى أن [دوائر] البلاد قد توقفت عن العمل فعلياً لمدة أسبوعين خلال فترة الاحتفال بعيد النوروز الذي يُصادف أواخر آذار/مارس. لكن بعد العطلة، من المرجّح أن تبدأ إيران بالاستعداد بفاعلية أكبر لقرار أمريكي محتمل يقضي بإعادة فرض العقوبات القديمة وإبطال «خطة العمل المشتركة الشاملة» بشكل أساسي.

بولتون وايران

إن جون بولتون شخصية معروفة جداً في أوساط القيادة الإيرانية. فقد تشابك وزير الخارجية محمد جواد ظريف معه لسنوات يعود تاريخها إلى المفاوضات النووية مع أوروبا عام 2003 حين كان بولتون وكيل وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الحدّ من التسلّح والأمن الدولي. وفي وقت لاحق، اضطلع كلاهما بدور سفيرين لدى الأمم المتحدة حيث أمضيا عامين يتجادلان على منصة “مجلس الأمن” الدولي.

وخلال العقد الماضي، صوّرت وسائل الإعلام في الجمهورية الإسلامية بولتون على أنه محافظ جديد معادٍ لإيران يدعم منظمة “مجاهدي خلق” المعارضة وأن سياساته إزاء البلاد قديمة العهد وغير مثمرة. فعلى سبيل المثال، حين أصدر بولتون “مذكرته” وقدمها إلى البيت الأبيض في آب/أغسطس 2017 – وهو مقال من “ناشيونال ريفيو” حدّد فيه معالم استراتيجية الانسحاب من «خطة العمل المشتركة الشاملة» – أعلن ظريف أن سياسةً مماثلة ستكون بمثابة “فشل ذريع لواشنطن” ستسفر عن عزلة دولية إضافية للولايات المتحدة. كما شدّد على أن سياسات بولتون أثبتت خطأها في العقد الماضي، زاعماً أنها شجعت إيران على زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم من “200 إلى 20 ألفاً في غضون عشر سنوات”. وختم ظريف قائلاً إنه لهذا السبب لم يعد أحد في واشنطن “يستمع إلى هذه الاقتراحات”.

أما بالنسبة للمرشد الأعلى علي خامنئي، فلطالما كانت روايته الأساسية أن أمريكا تسعى إلى قلب النظام الإسلامي، وأن الملف النووي ليس سوى غطاء لتحقيق هذا الهدف. ومن المرجّح أن تؤدي عودة بولتون إلى الساحة السياسية إلى تعزيز هذا النمط من التفكير.

ومن المقرر أن تجتمع “اللجنة الإيرانية المعنية بالإشراف على تطبيق «خطة العمل المشتركة الشاملة»” – المكونة من مسؤولين مثل محمد جواد ظريف والرئيس حسن روحاني والأمين العام لـ”المجلس الأعلى للأمن القومي” الإيراني علي شمخاني ورئيس “وكالة الطاقة الذرية الإيرانية” علي أكبر صالحي – مجدداً في وقت قريب، ويمكن الافتراض بأنهم سيولون بعض الاهتمام على الأقل لكتابات بولتون من أجل فهم تأثيره المحتمل على سياسة الولايات المتحدة. وفضلاً عن خارطة الطريق التي وضعها عام 2017 لإلغاء الاتفاق النووي، لا بد من أنهم على دراية بمقالته الافتتاحية في صحيفة “وول ستريت جورنال” في كانون الثاني/يناير التي تنادي بالإطاحة بالنظام [الإيراني] – وكذلك بخطابات بومبيو المماثلة على مر السنين.

ما الذي يمكن أن تفعله طهران في الفترة التي تسبق شهر أيار/مايو؟

في ضوء هذه الخلفية، من المرجّح أن تبدأ إيران بإعداد الأرضية الآن لإمكانية قيام ترامب باتخاذ إجراء معارض لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة» بعد الموعد النهائي الذي حدده في أيار/مايو. وهناك خيارات متعددة لقيامها بهذه الخطوة.

إعداد البرنامج النووي لإعادة تشغيله. لطالما هدّد القادة الإيرانيون بأن إقدام الولايات المتحدة على إعادة فرض العقوبات أو انسحابها من الاتفاق سيسفر عن تطوير سريع للبرنامج النووي. ففي آب/أغسطس على سبيل المثال، حذّر روحاني من أن البرنامج سيصبح “أكثر تطوراً بكثير “عما كان عليه قبل «خطة العمل المشتركة الشاملة» في غضون ساعات وأيام”. وكرّر نائب وزير الخارجية عباس عراقجي هذا التهديد مؤخراً، مدعياً ​​أن إيران تستعد لكل سيناريو محتمل، وسوف ترد بشكل فوري على انسحاب ترامب وفقاً لمصالحها الوطنية. ويعني ذلك عملياً أن إيران قد تتخذ قريباً خطوات ضرورية لتجهيز منشآتها النووية من أجل استئناف سريع لعملها بعد الموعد النهائي في أيار/مايو – متجنبةً بحذر في الوقت نفسه أي إجراءات قد تنتهك «خطة العمل المشتركة الشاملة».

ردع الضغوط الأمريكية والإسرائيلية. بعد فترة وجيزة من تعيين بولتون، أكّد دبلوماسي إيراني سابق تربطه علاقات واضحة مع «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني أن “أعداء المنطقة لا يفهمون سوى منطق القوة”، مشدّداً على نفوذ طهران في الخارج و”قوتها الدفاعية”. وبالفعل، لدى إيران تاريخ طويل في ممارسة “منطق القوة” هذا عبر إطلاق الصواريخ المتكرر (مصحوباً بشعارات تتعهد بإبادة إسرائيل) ومضايقة القوات البحرية الأمريكية في الخليج العربي ومضيق باب المندب (باستخدام وكلائها الحوثيين [في اليمن]) والتهديدات بالانتقام من القوات والقواعد الأمريكية في المنطقة (كما حصل حين أقرّ الكونغرس الأمريكي العقوبات الجديدة غير النووية في العام الماضي).

دق إسفين بين واشنطن وأوروبا. في آب/أغسطس، وعد مسؤول الشؤون النووية صالحي بأنه “إذا تخلى الأمريكيون عن الاتفاق، فمن المرجّح إلى حدّ كبير ألا تحذو أوروبا حذوهم، [وأن] أمريكا ستبقى بمفردها”. ومن خلال هذا المنطق، من المحتمل أن تواصل إيران محادثاتها مع دول الاتحاد الأوروبي الثلاث (أي بريطانيا وفرنسا وألمانيا) وتقدّم نفسها على أنها الطرف المظلوم، على أمل استمالة الأوروبيين إلى جانبها ومنع بروز جبهة غربية موحدة إذا أُعيد فرض العقوبات في أيار/مايو. وقد يتطلب الأمر مقاربةً مماثلة مع أبرز الشركاء التجاريين ومستوردي النفط (كالهند وكوريا الجنوبية واليابان) في محاولة لثنيهم عن الامتثال لتكتيكات الضغط التي تمارسها الولايات المتحدة.

التنسيق مع روسيا والصين. بعد فترة قصيرة من إدارة المفاوضات الإيرانية مع أوروبا بين عاميْ 2003 و2005، أعرب روحاني عن أسفه لعدم استثمار موارد كافية لضمان الدعم الدبلوماسي من روسيا والصين، مُقرّاً بأن مساعدتهما “كانت من الممكن أن تسهّل الأمور” على طهران. ومن جانبه، كرّر رئيس “لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية” في المجلس الإيراني علاء الدين بروجردي هذا الرأي الشهر الماضي عندما ادعى أن توسيع العلاقات مع بكين وموسكو قد يساعد على “إبطال تأثير الضغوط الأمريكية والحد من أثرها”.

إعداد الجمهور والاقتصاد لعقوبات جديدة. خلال خطابه الأخير في عيد النوروز، أعلن المرشد الأعلى أن شعار السَنة الجديدة سيكون “دعم المنتجات الإيرانية”، مكرراً مطالبه المستمرة بالسعي إلى تطوير “اقتصاد المقاومة” وتعزيز الاكتفاء الذاتي للبلاد. وعلى الرغم من هذه “الدعوة المألوفة للتسلّح”، إلا أن الاقتصاد الإيراني لا يزال يعاني من عيوب كبيرة ويعتمد على الاستثمارات الأجنبية. كما أن الريال قد خسر نحو ربع قيمته خلال الأشهر الستة الماضية، مع اتساع الفجوة بين معدلات الصرف الرسمية وغير الرسمية كل يوم. وبالتالي، من المرجّح أن تكمل طهران جهودها القائمة منذ فترة طويلة والرامية إلى تعزيز قدرة اقتصادها على الصمود من خلال إعداد مقاربة قوية حول “التوحد خلف علم البلاد” خلال الشهرين القادمين، آملةً في توحيد الشعب ومنع اندلاع موجة من الاضطرابات الجماعية (أو على الأقل تأجيلها). ففي الشهر الماضي، على سبيل المثال، أعلن شمخاني أن ملايين الدولارات التي استثمرتها الولايات المتحدة في “استراتيجيات معادية لإيران” هي بلا جدوى لأن الجمهورية الإسلامية [لم تعمل] سوى على تحسين “نقاط قوتها ونفوذها الروحي”.

انتقام أو ضبط النفس؟

سيتعين على طهران الاختيار بين مسارين أساسيين للتحرك خلال الأسابيع المقبلة: إما الانتقام بقسوة من الإشارات العدائية الصادرة عن إدارة ترامب من أجل ردع واشنطن عن تكثيف الضغوط، وإما ضبط نفسها والاضطلاع بدور المظلوم من أجل الحفاظ على الدعم الأوروبي ومنع بروز تحالف غربي ضد إيران. ويُظهر التاريخ أنه في مناسبات مماثلة، اختار النظام الإيراني المسار الأول وأسف [بعد ذلك] على خياره – وبالفعل، فإن أي تصعيد حالياً قد يدفع بإدارة ترامب إلى الردّ بالمثل عوضاً عن التراجع.

وعلى أية حال، يبدو أن خامنئي وروحاني قد استخلصا درسهما، فكان ردّ فعلهما هادئاً بشأن ما يراه من “انتهاكات الولايات المتحدة للاتفاق” من أجل تجنب الوقوع في “الفخ الأمريكي” الذي برأيهما سيمنح واشنطن مبرراً لإلغاء «خطة العمل المشتركة الشاملة». وهما يبحثان الآن عن المسار الوسطي الأمثل: عن طريقة لثني الرئيس ترامب عن تكثيف الضغوط مع الحفاظ في الوقت نفسه على الدعم الدولي الكافي لإحباط أي تحالف موحّد ضد إيران.