المجرات

توفيق نصر الدين

إنها لو احببنا ان نسميها شعرياً، ثريات الكون، عناقيد متدلية من مئات مليارات النجوم والكواكب والنيازك وحتى ما يسمى كوكب وكويكب وغبار كوني ومادة مظلمة، منتشرة هنا وهناك في أبعاد هذا الكون بشكل كويكبات وعناقيد ومجموعات نجومية يصعب تخيل الارقام التي قد تعبر عن قياس مسافتها والابعاد فيما بينها.

فلو قلنا سنتمتر او متر او كيلو واحد من المترات او أحببنا ان نقوم بجولة سياحية من بيروت الى صور في الحنوب مسافة ما يقارب الخمس وسبعين كيلومتر قد يبقى تخيل الامر ممتعاً من حيث الرحلة وسهل حسابه من حيث الارقام، أما لو أحببنا ان نتخيل أنفسنا في مركبة فضائية ونقوم برحلة من مجرة نجمية الى مجرة أخرى حسابات المسافات هنا تتغير ويبدأ الحديث عن ما يسمى في علم الفيزياء بسفر السنوات الضوئية،والسنة الضوئية تحسب بناء على اساس سرعة الضوء التي تفوق الـ 299000 كيلومتر بالثانية، يعني ضوء الشمس يستغرق مدة ثماني دقائق عند شروقها لكي يصل الى سطح الارض، والمسافة بيننا وبينها حوالي 150,000,000 كيلومتر، وهناك مجرات تم تصويرها بالبسامير والمقاريب أو “المقراب” وتقدر مسافات البعد عنها وبينها بمئات والاف وحتى مئات ملايين ومليارات السنين الضوئية.

قد تبدأ سهولة الامر في فهم هذه المقاييس بالتعود على معرفة بعض القياسات الارضية، مثلاً مثل قطر الارض (والقطر يعني هو المسافة بين حيط فنجان القهوة والحيط الاخر او الناحية المقابلة منه بالعربي المبسط)، قطر الارض هو 12,800 كيلومتر، وقطر الشمس يصل الى 1,400,000 كيلومتر وقطر نجم “سيريوس” وإسمه في العربية “الشعرى اليمانية” وهي أسطع النجوم رؤية في الليل 2,500,000 كيلومتر ونجم “أركتوروس” ويسمى “السماك السابح”، وهو الاكثر إشعاعاً ولمعاناً في كوكبة “العواء” (Boote C) وقطره 36,000,000 كيلومتر، ونجم “UY Scuti” الاحمر الموجود في “كوكبة الترس” (Scutum Constellation) وله حجم يكبر حجم الشمس بخمس مليارات مرة، وبالرغم من ضخامة هذه الشموس لا يمكن رؤيتهم من دون المراقيب بسبب بعد المسافات الكونية بيننا وبينهم.

المجرة، الكويكبة والسدم مؤلفة من مليارات مليارات النجوم, وكلها تسبح بحمد ربها كما يقال وهي مقسمة من قبل الاتحاد الفلكي الدولي International Astronomic Union الى 88 مجرة أكبرها “مجرة IC1011” وهي أكبر من مجرتنا “درب التبانة” بحوالي الستين مرة، فقطر مجرتنا هو حوالي مئة الف سنة ضوئية بينما قطر مجرة IC1011 يصل الى ال ستة ملايين سنة ضوئية، وتبعد عنا مسافة ألف مليون سنة ضوئية.

والمجرات هي ايضاً مركبة ببنيات، بما معناه أن هناك في الكون هيكليات مجرات مثل تلك التي تسمى بـ “جدار هرقل العظيم”.
هو بنية مجرية اكتشفت في شهر تشرين التاني من سنة 2013 عن طريق دراسة أشعة غاما GAMMA، وهذه البنية المجرية يصل طولها الى عشرات مليارات سنة ضوئية وعرضها 7,2 مليارات وسماكتها تصل الى مليار واحد من السنين الضوئية، وهي أكبر الاجسام الكونية في الفضاء الكوني المنظور إفتراضياً من قبل العلماء، وهو موجود بين كوكبتي هرقل والإكليل الشمالي.

داخل المجرات، كما قلت سابقاً في بعض المقالات التي نشرت على فايسبوك، تلك المجرات هي غير موزعة بتساوي إنما على شكل عناقيد ومجموعات نجومية تحوي بدورها مجموعات اخرى صغيرة. تتألف الكوكبات في مواقع مختلفة في الكون على حدود ما يسمى “القبة السماوية”، وفيها عدد محدود من النجوم ولها شكل او صورة معينة وتمتاز بشدة لمعانها، وكل من له هواية بدراسة الفلك والنجوم قد يكون رأها او يستطيع ان يراها من خلال التليسكوبات ذات الاستعمال الشخصي ويمكن شراؤها من المحال المختصة ببيعها، وهذه الكوكبات درست في التاريخ من قبل كثير من الحضارات والشعوب، رسمت ورمزت وكان لها تسميات مثل كوكبة قنطور والدب الاكبر والثور وكوكبة الصليب الجنوبي التي استعملها البحارون والملاحة في اسفارهم عبر البحار والمحيطات منذ فجر التاريخ لأكتشاف الاماكن النائية جغرافياً، وهي نفسها تتضمن أو تعبتر مرجعاً تعريفياً ومحدداً للاجرام السماوية والمجرات والسديم والغبار الكوني.

عنقود كوما المجري يحوي على ما يقدر بألف مجرة، وتوجد فيه أيضاً اجسام كونية مثل “الثقوب السوداء”، وسوف أتكلم عن هذا الموضوع في مقالة خاصة ومفصلة انشالله.

أكبر من هذه الاجرام السماوية والمجرات بعديدها هو الكون نفسه، ويتعبر بما يسمى بالكون المنظور الواقع في اقليم معين من ما يسمى بكرة كونية يمكن استخلاصها ويصل قطرها الى “93 مليار” سنة ضوئية وهذا التقييم في تغير مستمر، لأن الكون هو في تمدد وتوسع مستمر، وهذا التمدد سوف يكون سبباً في انتهائه وزواله في يوم ما بعد مرور مليارات من مليارات السنين، بحيث ستتحول كل الاجسام المرئية نجوم، كواكب، نيازك، غبار كونية الى جسميات أولية ويصبح الحال النهائي جو غازي من الفوتونات والبروتونات.

*مترجم، باحث وناشر مستقل