عن عشرة أيام هزت إيران

د. قصي الحسين

تحين المحتجون الإيرانيون فرصتهم للخروج والاحتجاج على ما أسموه الأوضاع المعيشية الصعبة والقاسية التي تحوطت إيران والشعب الإيراني، نتيجة انخراطها المتزايد في أزمات المنطقة، بينها سورية والعراق واليمن ولبنان وغزة، واهمالها حاجات شعبها الذي أخذ يعاني منذ سنوات جراء هذه التدخلات وضعاً معيشياً صعباً، دون أن يلمس ثمار الاتفاق النووي المبرم بين طهران والدول الست منذ العام 2015.

وأن خروجهم في مظاهرات متفاوتة من التمثيل والحشد، نهار الخميس في 28/12/2017 وعقب صلاة يوم الجمعة في 29/12/2017 في كرمنشاه غرب إيران، إذ تجمع حوالي 300 متظاهر في ما وصفته وكالة “فارس” المحسوبة على الحرس الثوري بـ “دعوة من معارضين للثورة”، وأضافت: أن المتظاهرين كانوا ينادون على السلطات الإيرانية: “أطلقوا السجناء السياسيين” و”الحرية أو الموت” و”فكروا بنا” لا بسورية واليمن وغزة ولبنان. وسارع المحتجون إلى إضرام النيران ببعض الممتلكات العامة التابعة للدولة. كذلك بثت تسجيلات مصورة على الهاتف في مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر متظاهرين يصرخون: “الناس تتسول ورجال الدين يتصرفون مثل آلهة”.

واختيار كرمانشاه لإطلاق الاحتجاجات له دلالة عميقة أقله في نفوس أهلها. فقد ضربها الزلزال في تشرين الثاني قبل شهر واحد، وأوقع فيها 600 قتيلاً، مخلفاً وراءه كارثة اجتماعية عظيمة، بالإضافة إلى الأعداد العظيمة من المواطنين الذين خسروا فيها أموالهم نتيجة انهيار مؤسسات تسليف غير مرخصة، دون أن يجدوا من مؤسسات الدولة من يمد لهم يد المساعدة تعويضاً عن خسائرهم الفادحة. وكانت وكالة “تسنيم” التابعة للاستخبارات الإيرانية، أفادت بأن المتظاهرين طالبوا بكشف مصير حساباتهم، فتعاملت معهم الشرطة بروية، على الرغم من عدم حصولهم على إذن بالتظاهر.

وسرعان ما تمددت الاحتجاجات إلى العاصمة الإيرانية طهران، إذ تجمع نحو من خمسين شخصاً في طهران احتجاجاً على الغلاء والسياسات الاقتصادية لحكومة روحاني، فبادرت السلطة إلى اعتقالهم، ولكنها سرعان ما أفرجت عن عدد قليل منهم. كذلك تمددت الاحتجاجات إلى مدينة أصفهان، إذ تجمع عمال بعض المصانع يطالبون بأجورهم. وكذلك في مدينة مشهد، حيث خرج المحتجون يوم الخميس 28/12/2017، للتنديد بالبطالة والغلاء. وتسربت التسجيلات إلى مدن أخرى بينها ساري ورشت وقم وهمدان، فكانوا يهتفون: “لا غزة ولا لبنان حياتي لإيران”. وهذا ما جعل رئيس المحكمة الثورية في مشهد حسين حيدري يقول: “إن التظاهر حق للشعب. ثم استدرك لقوله هذا: “إذا أراد بعضهم استغلال مشاعر المواطنين، فلن نصبر وسنتصدى لهم”. وكان بين المتظاهرين من ينادي: “الموت لروحاني” و”الموت للديكتاتور”.

وكان خطيب صلاة الجمعة في مشهد “أحمد علم الهدى” قد رأى في خطبته: “أن التجمع في المدينة على الغلاء محق”. ودعا المسؤولين إلى الاهتمام بمطالب الشعب، تجنباً لاستغلالها من الأعداء. وقال النائب الأقوى لروحاني، إسحاق جهانكيري، إن الأحداث وقعت في البلاد بذريعة مشكلات اقتصادية” ولمح إلى أن خصوم الأصوليين هم الذين نظموا التظاهرات. وقال محذراً: “عندما تطلق حركة اجتماعية وسياسية في الشوارع، فإن مدبريها لن يكونوا بالضرورة قادرين على السيطرة عليها في النهاية.

وكان السيناتور الجمهوري “توم كوتون” قال في بيان أصدره: إنه “حتّى بعد بلايين الدولارات التي نالتها طهران” في تخفيف العقوبات من خلال الاتفاق النووي، لا تزال عاجزة عن تأمين الاحتياجات الأساسية لشعبها”. وأضاف قائلاً: ربما لأن الكثير من تلك الأموال دفع في حملة عدائية إقليمية في سورية ولبنان والعراق واليمن”. واعتبر أن الاحتجاجات “تظهر أن النظام الذي تقوده إيديولوجيا الكراهية” لا يمكنه الحفاظ على تأييد شعبي واسع إلى الأبد” (الحياة 30/12/2017).

“عشرة أيام” هزت إيران حقيقة. إذ بدأت أوساط الرئيس روحاني تشكو من فتن الرئيس السابق “أحمدي نجاد” ، واجتاحت المظاهرات جامعة طهران، ورشق الطلاب الشرطة بالحجارة، وأطلق المتظاهرون هتافات مؤيدة للشاه السابق. وخرج المتظاهرون في مدن أخرى: مثل شهركرد ورشت وهمدان وقزوين، بالإضافة إلى قم وطهران وكرمانشاه. وتميزت التظاهرات ببعد رمزي إذ تزامنت مع إحياء السلطات ذكرى “القضاء على فتنة 2009”.

ويوم 1/1/2018، مطلع السنة الجارية، شهدت إيران أكثر لياليها عنفاً منذ بدء الاحتجاجات على الوضع المعيشي، وكان الرئيس روحاني يدعو إلى الهدوء. وكان المتظاهرون يستهدفون قواعد عسكرية إيرانية ويدفعون ثمن ذلك من أرواحهم. وبرزت صدامات مع الشرطة في مدينة تويسكان وشاهينشهر وإيذة ودورود غرب إيران.

وأظهرت تسجيلات لمتظاهرين يحرقون صورة للجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس. وبث التلفزيون الإيراني في نشراته التي ما انقطعت “أن محتجين مسلحين حاولوا السيطرة على مراكز شرطة وقواعد عسكرية، فواجهتهم مقاومة قوية من قوى الأمن.. ودعا رئيس القضاء صادق لاريجاني، “من لديهم مطالبات محقة، أن يعبروا عنها بطريقة قانونية”.

وانتقلت الاحتجاجات والمظاهرات إلى أصفهان، فأوقعت تسعة قتلى في المدينة وحدها، في يوم واحد. وتدخل الرئيس السابق محمد خاتمي مندداً بمثيري الاضطرابات. أمّا النائب الأوّل للرئيس اسحق جهانكيري فقال: “إن تحسين حالة الشعب والبلاد، مرهون بإصلاحات تدريجية مؤطرة”.

وتعهد الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” دعم المتظاهرين في إيران، وقال على موقع “تويتر”: “كل الاحترام للشعب الإيراني وهو يحاول إقصاء حكومته الفاسدة. ستحصلون على دعم كبير من الولايات المتحدة في الوقت المناسب”. وكانت تركيا قد دعت إلى تغليب المنطق لمنع أي تصعيد”، مشيرة إلى أنها تعلق أهمية كبرى على الحفاظ على السلم والاستقرار في إيران الصديقة والشقيقة”.

وواجهت موسكو محاولة “تدويل” الاحتجاجات في إيران بعدما رفضت اقتراحاً أميركياً لتدويل الأزمة واتهمت أميركا بزعزعة الاستقرار في إيران، وحذرت “هايلي” من تكرار سيناريو سورية”. وشدّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أن التغيير في إيران يجب أن يأتي من الداخل.

وعلى الرغم أن أميركا بدت الدولة الوحيدة التي انفردت بدعم احتجاجات إيران فقد تعرضت لتوبيخ روسي. وأخذت الحملة المضادة على الاحتجاجات تتعالى، فأعلن الحرس الثوري انتهاء الفتنة، وانتقد تساهل روحاني. وظهرت معلومات رائجة عن اعتقال أحمدي نجاد بأوامر من خامنئي. وكادت عشرة أيام من أواخر 2017 وبداية 2018 أن تهز إيران وتذيقها مرارة القلق على الثورة حقيقة.

 

* أستاذ في الجامعة اللبنانية

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث