أخلاقية إقتصادنا / بقلم د. وليد كامل أبو خير 

يواجه إقتصادنا أعتى مراحله الإنحدارية والتي تمسّ الأخلاقيات التي يجب أن تتمتّع بها المسلكية الإقتصادية في ترفّعها عن كل ما قد يسهم في تقويض صفوة الإقتصاد، وتوجيه هذه المسلكية إلى مستوى ترفع معها الوضع المعيشي للمواطن نحو الأفضل والأمثل، يحكمها الأداء النزيه.

ولا مشاحة من القول، أن الإرتباط ما بين السياسة من جهة وبين الإقتصاد من جهةٍ أخرى قد أضحيا متلازمين. وفي هذا أنه لا يعني نقل بعض تشوّهات السياسة لضرب الفكر الإقتصادي وسلوكياته، بل أن تلازمهما هو من وحي الإنصهار الأخلاقي التي تتمتّع به السياسة من كونها علم وفن يرتقيان معًا إلى قيادة المجتمعات الإنسانية في تصويب الأمور نحو الأفضل وشجب السلبيات، وشحن الأداء الإقتصادي بإيجابيات الفكر السياسي القويم.

ومما لا شك فيه أن التجاذبات السياسية بين أفرقاء الوطن إنما تشكّل عائقًا أمام سلسلة من الأسس المعيارية التي تمهّد للنهوض الإقتصادي المحلي، وفي طليعتها التشريعات القانونية التي تمهّد لوضع المعايير للسياسات الإقتصادية ما قد تعين وتمكّن لبنان من تفعيل إقتصاده ونموه. وربما تعود هذه المعوقات لتشكّل تحديات في وجه الساسة هؤلاء في سعيهم للحفاظ على نمطية مصالحهم وتثبيت مكامنها، بحيث أن العديد منها قد تحول دون التقاطع مع تلك المصالح الشخصانية.

فالمرحلة الحاضرة التي يمر بها إقتصادنا تعبّر وبمنتهى الصدقية عن المخاطر التي تحوقه. فمع التسليم المؤكَد بوجود المخاطر الخارجية على هذا الإقتصاد، المتمثلة بتربّص عدونا الصهيوني الذي لا ينفك يعمل على العبث بإقتصادنا، وآخرها ما يحاك حول الملف النفطي والبلوك التاسع والذي يحاول العدو الصهيوني جاهدًا لسلخه عن السيادة اللبنانية، نقف أيضًا أمام العدوانية الداخلية التي تعيث بهذا الإقتصاد فسادًا فتأخذه نحو الترهّل. وهذه العدوانية لا تفسرها سوى حالة واحدة هي حالة الإستضعاف أمام حجم المكاسب الشخصية التي تسهم في تأزيم وتقزيم الوضع الإقتصادي الداخلي. فهذا الضعف الذي أصاب مجتمعنا السياسي – وأبطاله البعض من ساستنا – جراء عدم قدرتهم على التوحّد حول ولصالح المصلحة العامة، قد إنعكس على بنية المجتمع اللبناني لتعمل فيه التفرقة والتشرذم ما لا تفعله الأورام السرطانية في الجسم الإنساني، والتي أصابت عدواه جسم الإقتصاد في مقتلٍ.

وعليه، لا يحتاج المواطن اللبناني إلى كبير عناء لإدراكه من أن إستهداف الإقتصاد إنما هو إستهداف مباشر لموارد عيشه وشرعته الإنسانية في حياة معيشية كريمة قائمة على زيادة الإنتاج الوطني المحلي وتثبيت دعائمه من جهة أولى؛ والتي تؤدّي إلى زيادة في فرص العمل من جهة ثانية؛ وبالتالي حوكمة آلية الإنتاج من خلال ترشيد إستغلال وإستخدام المقدرات والثروات الوطنية من جهة ثالثة؛ بحيث تسمح بالمقابل إلى الرشادة في التوزيع العادل للموارد الناتجة عنها لكافة شرائح المجتمع اللبناني من جهة رابعة.
إن هذا الإدراك والوعي المجتمعي، إنما يوجب على المواطن اللبناني من حُسن إستغلاله، بأن يرفع الصوت عاليًا بوجه من يتحكّمون بربقة الإقتصاد، ليدرك هؤلاء أن للمجتمع اللبناني قوّة إن قصدت فعلت.

قبل نهاية الكلام، لا بدّ من الإشارة أن من المسببات العقيمة لمشكلات الإقتصاد اللبناني والتي تنبع أكثرها من البنية السياسية المتحكّمة برقبة هذا الإقتصاد كما أشرنا، بحيث تتعمّد في حجب السياسات الإقتصادية والمالية عنه، لتبقيه أسير طابعه الريعي والخِدماتي ولتطويع الإستثمارات في قطاعات محدّدة فقط إنْ السياحية أو المصرفية والعقارية، والتي تتلبّس الطبقة السياسية القابضة عليها لبوس التجار والمستثمرين فيها، مما إستبعدت عن إقتصاده الإستثمارات في الإنتاج الصناعي والزراعي وغيرها من القطاعات الإقتصادية الإنتاجية الأخرى، ما أسّس إلى مشكلة بنيوية في تاريخ لبنان الإقتصادي، لتجعل منه إقتصادًا قائمًا على ثقافة الإستهلاك والذي قارب معدّل الإستهلاك فيه معدّل ناتجه الإجمالي المحلي.

وعلى ذلك، يسير قطار الإقتصاد اللبناني ومنذ عقودٍ من الزمن من غير موجّه، تمليه عليه خارطة طريق إقتصادية تحمل معها مفاهيم ومعايير لسياسات يهتدي بهديها، ما يثقل على إقتصاده حمل الوزر والعبء الإستثماري بأكثر من طاقته الإستيعابية، والضحية هما قطاعيه العام والخاص.

إن وطننا أمام أزمة إنحلال من الأخلاق الإقتصادي. وإذا أردنا أن نساير الحال بالمحال، فليس أهون من أن نحيلها إلى عدونا الخارجي وإلى التصهين للظواهر العالمية خصوصًا الإقتصادية، لنزيح التّهم من أمام الداخل وإرتدادها للحالة الشخصانية المفعمة بالأنانية نتيجة الضعف أمام هول المكاسب المادّية في سبيل تعظيم الثروات الشخصية على حساب إقتصاد الوطن وضرب المبادىء الأخلاقية في توزيع الثروة الوطنية توزيعًا عادلًا معتدلًا على المجتمع ككل.

(*) باحث إقتصادي، خبير في قانون المحاسبة لدى المحاكم التجارية