تباشير حلم/ بقلم إيمان ريدان

كان المعلّم كمال جنبلاط يعطي الحلم للناس، يجعلهم يتأملون بواقع أفضل، يعطيهم الأمان بأن مَن يستندون إليه، هو بقامة جبل شامخ ثابت، لا ينحني ولا يهتزّ. والذي تابع بالأمس ما قاله حفيده تيمور، يدرك أن حلما جميلا طريّاً، عادت تباشيره تلوح… في الأفق .

أما الذي لا يعرف أهميّة وقيمة بيت عريق، حجارتُه تشهد على تاريخ مجيد، فلن يعرف عن ماذا نتحدّث. لأن تيمور وليد جنبلاط، وارث الزعامة والكوفية الفلسطينية العربية، أبّا عن جد، لن يحتاج إلى تعريف بهويته، كجسر عبور إلى الناس.

هو يملك صكّ التاريخ – ليس المقيم بين جدران القصر(الدار) وباحاته وذكرياته فقط – بل الممتدّ على مساحة الوطن، منذ أيام فخر الدين، منطلقاً من المنطقة نفسها في مرتفعات الشوف، وحيث ما زالت الأبواب المشرّعة، أمام الناس وهمومهم في وطنٍ، كلُّ مؤسّساته اليوم لا تعمل إلا بمعايير طائفيّة ومذهبية وحسابات ضيقة. فكأن هذا الدار ما انتصب إلا ليكون المنفتح والمتوغل عميقا إلى البعد الجغرافيّ الكامل للوطن، من الشمال إلى الجنوب والبقاع والسّاحل كما الجبل..إلى المحيط العربيّ المجاور في سوريا وفلسطين.

أطّل تيمور في “كلام النّاس” بملامحِ جدّه وعيونه. أطلّ من بابٍ إشتراكيّ، وعلمانيّ، وإجتماعيّ، وإنمائيّ بإمتياز. تحدّث بالسياسة قليلاً – وهو الطريّ العود – فأكد ثوابت الطائف، والانفتاح على الآخر في الوطن. وإنطلق أكثر في الحديث عن الخدمات، والتواصل المباشر مع الجيل الجديد، وطموحاتهم ومشاريعهم .

أعادنا في الذكريات إلى أكثر من أربعين سنة حين استشهاد المعلّم، واضطّرار وليد جنبلاط أن يتسلم الزعامة مرغماً، هو الذي ما يلبث أن يصول فيها ويجول كالمتمرسين، مكرّراً تجربة والده الشهيد الذي تخلّى عن أحلامه في الطّبّ وخدمة الفقراء والمرضى، فاستعاض عن حلم عمره، بآخرَ شاركه فيه الآلافُ من المخلصين، حين عَبَر من مدخل حزبيّ واسع، ينادي بالعدالة الاجتماعية والمساواة، وحرية المعتقد والدين والتعبير…كلّ التجارب السابقة بدأت بهدوء وثبات وتواضع، والمشهد نفسه يتكرّر اليوم في الانطلاق المتأني.

أكثر ما نحبّه في إطلالة تيمور الرصينة والمبتسمة في آن، أنه لا يتبجح، ولا يعد بالوعود الرنّانة – كما يفعل معظم المرشّحين هذه الأيام، الموعودين منهم، والمتأملين، أو المتربّعين المتمسكين بمقاعدهم المربحة بأية طريقة ممكنة مذلّة أو مشبوهة. بل إنّه – وهو ابن الزعامة المتوارثة والمحبوبة – يعد جمهوره بالعمل بهدوء، واتزان، ورقيّ، وتواضع مدهش، ليستحقّ شرف تمثيلهم..

لا شكّ في أنّنا بالأمس شهدنا نهجاً متفردّاً، خطّه لنفسه تيمور جنبلاط، وسيكون لزاماً على غيره من الشباب المقبلين على الحياة السياسيّة، بالانتخاب، أو بالتوريث – إنْ كانوا ذوي كفاءة، ويريدهم الناخبون – أن يحاولوا مقاربته أو التشبّه به. وهي طريق جديدة لم يعتد عليها اللبنانييون، ولم يألفوا بعد سماع مفردات قاموسها . لغة فيها حرارة وإيمان الشباب الواعي الذي يريد الإنماء والانتماء لكلّ الوطن من دون حدود. وفيها التعابير والممارسة الحضارية التي لا يستخدمها السياسيون في بلادنا اليوم، إلا القلة القليلة منهم .
وتسألون لماذا يحبّ الناس تيمور وليد جنبلاط !