هكذا يستمر الحراك… على خطى المعلم

هلا ابو سعيد

يطلّ علينا ناشطو الحراك المدني في الجبل بشعارات التغيير الرنانة والجياشة على مشارف ذكرى المعلم الشهيد كمال جنبلاط التي تختصر بعمقها قضية أمة ووطن في ربع قرن من النضال، ليطالعونا بما بلغت معرفتهم من ثقافات حول مفاهيم الديمقراطية، بينما غاب عنهم عمق دلالتها بقوله “الديمقراطية هي حكم الرأي السليم”..

ويتعالى هؤلاء بسمو طروحاتهم على مدرستنا الفكرية فيغالون باستخدام شعاره “إذا خُيّرتم بين حزبكم وضميركم، فاختاروا ضميركم” بينما تقودهم فورة اندفاعهم عكس ضمائرهم في مواجهة مسيرة الوفاء لنضاله!

ثم يواجهنا أبناء الحراك بما يظنونه الثوابت فيتهموننا بتقلب المواقف، وكأنهم لم يلحظوا مدى التحديات التي بُذلت في سبيل الصمود والحفاظ على الكرامة والوجود عبر المفاصل الحربية والسلمية الصعبة بعد استشهاده. فيطرحون بأدائهم تساؤلاتٍ حول عمق البصيرة التي لم تسعفهم لقراءة التحولات الدولية في معسكرات القوى وتوزيعها في الشرق الأوسط الجديد باتفاقياتٍ إقليمية! وحول غفلتهم عن لهب النيران المحيطة بنا، وعن مغالاتهم بنضالهم الفتي كمن يعلق وسط الدائرة في جولتين أو ثلاثة بمواجهة مضخات مياه القوى الأمنية التي حاولت وقف أعمال الشغب جراء حراكهم؟!

كيف سيقنعون الناس أنهم يحاولون جذب الشباب إلى مستقبلٍ أفضل، بينما يطرحون عناوينهم بأطرٍ غير مرئية، بأهدافٍ غير ملموسة، وبطروحاتٍ تكاد تكون وهمية؟! أيعدون بالعمل بمثالية وشفافية على أرض وطن أشبه بالرمال المتحركة؟ وقد غاب عنهم قول المعلم “السياسي الحقيقي، أي رجل الدولة، يجب أن تكون له دائمًا عين على المبادئ يستلهم منها مواقفه وتصرّفاته، وعين أخرى على الواقع المحيط بتطبيقها”! وهل سيجرؤون على مقارنة تجمعاتهم التي تشرذمت بتناقضاتها لفئات تحت تسميات مختلفة، بالحركة الوطنية التي جمعت بنبل القضايا الأضداد في إيديولوجياتهم تحت سقف أهدافها البناءة في البرنامج الإصلاحي المرحلي؟

يطلقون حملة “طلعت ريحتكم” فيغدقون علينا بنفايات لفظية تتكددس على مواقع التواصل! وكيف نصدق خطابهم حين ينادون بشعار “كلن يعني كلن” حين يستثنون جماعتهم تبعاً لجغرافية خطابهم وتبعتهم السياسية! وهل سنؤمن بمن يرفعون راية “بدنا انحاسب” فينبشون الملفات بانتقائية من أدراج الكيدية ثم يتحالفون مع رموز حقبة الوصاية السورية بحملتهم الإنتخابية؟!

لا، لسنا ضد الحراك المدني، بل نحن من صلبه، وما يقدمه إخوتنا بالوطن من طروحات حالمة هي أحلامنا المرجوة لأبنائنا. لكن علامات التعجب ترسم نفسها حين نقرأ شعار “حدا منا” فنشعر أننا لسنا منهم!

مهلاً أيها الأخوة والرفاق فالإنجازات لا تكتمل إن لم تتكامل الجهود. والأهداف الوطنية لا تتحقق بآحداية التوجهات، خاصةً أنكم تعترفون بأنكم لا تملكون العصا السحرية! فعلى ماذا تراهنون بوعودكم حين تهاجمون أحزاب السلطة وتنفرون أتباعكم منها بخطاباتٍ تتطاولون فيها على تاريخها النضالي المشرف، بينما ستتعاملون معها حكماً في حال وصولكم إلى السلطة لاحقاً؟! فكيف سنبني معاً على مداميك الحقد، قبل وبعد الانتخابات النيابية؟

ثمة بينكم من هو واع وحذق، وإلى هؤلاء نتوجه لإحياء ذاكرة الضمير الحافظ لأمانة التضحيات المستمرة منذ أجيال. وللحق نقول لكم لقد أخجلتم تواضعنا بانسانية طروحاتكم فنحن أبناء الشعار “الإنسان هو الغاية والجوهر في كل قضية”! لكن، ليتكم تقرأون جيداً بفكر المعلم وتفقهون عمق رسالته الإجتماعية. وحبذا لو تتعلمون منه نعمة الأخلاق في الخطاب السياسي والتواضع في الأداء العملي. لأن القائد ليس وليد الصدفة ولا الكرسي ولا الخطابات الرنانة على المنبر، بل هو الذي يحمل سمات القيادة بالفطرة ليجمع الناس حوله كما يجتمع النحل حول رحيق الزهرة تلقائياً وطبيعياً، تماما كما تجذب النمل قطعة السكر..

أما وقد اتخذتم من مواقع التواصل متاريساً لمواجهتنا عبر مدرستنا الفكرية، فحريّ بنا أن نفخر باطلاعكم على مبادئنا، ولتسمحوا لنا بتذكيركم أنه “على قدر ما تستطيع الشعوب أن ترتفع إلى مثالات من البطولة والتضحية والأخلاق من تجاوز المحدوديّات الشخصية، تستطيع أن تتقدّم وتنتصر في جميع المجالات، وما من شعب انحطّ إلاّ عندما درج على مسلك الأنانية.”..

فالسياسة في مفهومنا أيها الأخوة هي “في معناها تربية الجماهير وتعويدها على الطريق الأفضل. “.. ونحن نتخطى بتوجهات مرشحينا قوقعة “الأنا” لنلاقي طروحاتكم بالـ”نحن”، لأننا سنتابع المشوار معكم بترفعهم عن المهاترات العابرة..

ولا شك أننا كعادتنا، سنحتكم لصناديق الإقتراع بإيماننا العميق بالديمقراطية، وسنتابع على درب الانفتاح بفكر تقدمي يلاقي الجميع على قاعدة الاختلالف بالرأي غنى ولا يفسد للود قضية…، فهكذا عودتنا حكمة الوليد في كل محطة مفصلية من عمر الوطن.. وهكذا يجب أن يستمر “الحراك” على خطى “المعلم” لنتابع المسيرة مع الأجيال التواقة للتغيير والتقدم الواعي.. ليبقى “المعلم” فينا ملهماً وينتصر..

(الأنباء)