الرياضة الدبلوماسية والمشاحنات النووية

الدكتور ناصر زيدان

نجحت الدبلوماسية الرياضية في فتح كوة في جدار التوتر النووي السميك بين كوريا الشمالية من جهة، وكوريا الجنوبية ومن خلفها الولايات المتحدة واليابان من جهة ثانية. استطاع الوفد الكوري الشمالي الذي شارك في الألعاب الأولمبية التي أُقيمت في سيؤول في النصف الأول من شهر فبراير/شباط 2018، أن يلعب بمهارة على حبال التواصل الرفيعة بين البلدين، وكانت هذه الحبال مُعرَّضة للانقطاع الكامل في أية لحظة.

شقيقة الزعيم الكوري الشمالي كيم يو جونج ونائب رئيس الحزب الحاكم كيم يونج اللذان ترأسا وفد بيونج يانج إلى التظاهرة الرياضية؛ لم يلتقيا مع نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس كما كان مُقرراً، بسبب تصريحات هذا الأخير المُندِدة بالطموحات الكورية الشمالية قبل يوم من اللقاء، ولكنهما التقيا مع رئيس كوريا الجنوبية مون جاي- إن، وأثمر هذا اللقاء، اتفاقاً على إرسال وفد رفيع المستوى برئاسة مدير المخابرات تشونج أو يونج إلى بيونج يانج. ومون جاي- إن أصرَّ على الإعلان: أن محطة الأولمبياد الدولية؛ كانت محطة سلام.

وبالفعل زار الوفد الكوري الجنوبي بيونج يانج في 6/3/2018، والتقى مع زعيم كوريا الشمالية الشاب كيم جونج أون، والتصريحات التي أعقبت المباحثات من الجانبين وعكست أجواء التفاؤل، قد تطوي بعضاً من سواد المرحلة الماضية التي غلبت عليها التهديدات العالية السقوف بين الجارتين. اتفق الجانبان الشمالي والجنوبي في مباحثات بيونج يانج على مجموعة من النقاط المهمة، وإن تم تنفيذها فقد تؤدي بالنهاية إلى هدنة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، وإلى لقاء بين الرئيسين الأمريكي والكوري الشمالي.

من أهم ما تم الاتفاق عليه مع وفد كوريا الجنوبية في بيونج يانج؛ فتح خط ساخن بين البلدين لمعالجة أي طارئ يمكن أن يُهدد السلام في شبه الجزيرة الكورية، وعقد لقاء قمة بين زعيمي البلدين في نهاية شهر أبريل/نيسان 2018، وهي الثالثة بين البلدين إذا ما حصلت، منذ العام 1953، حيث حالة الحرب بين الشطرين ما زالت قائمة، من دون توقيع أي اتفاق على الخروج من هذه الوضعية منذ ذلك التاريخ.

وأهم من كل ذلك أعلن الرئيس الشمالي أون، أن بلاده راغبة في فتح صفحة جديدة مع واشنطن، تأمل من خلالها الاتفاق على مجموعة النقاط الخلافية بين البلدين، بما في ذلك الملف النووي، وملف التجارب الصاروخية البالستية البعيدة المدى التي تجريها كوريا الشمالية، والقادرة على الوصول إلى الشواطئ الأمريكية.

قد تفتح الدبلوماسية الرياضية التي أطلقتها كوريا الجنوبية منافذ لحوار بين واشنطن وبيونج يانج، لكن شروط التسوية قاسية بطبيعة الحال، ذلك أن تراجع بيونج يانج عن طموحاتها غالي الثمن، وتسليم واشنطن بشرعنة الملف النووي الكوري الشمالي مُقاربة مؤلِمة.

تُعلن كوريا الشمالية أنها تريد تحييد شبه الجزيرة الكورية عن الصراعات الدولية، وأنها لا ترغب في الدخول في مواجهات عسكرية مع جيرانها، وهي مستعدة للبحث في نزع السلاح النووي من المنطقة الآسيوية المُلتهبة، لكن شروطها لتحقيق ذلك كبيرة جداً، ولا يستطيع جيرانها والولايات المتحدة تحقيقها. لأنهم بذلك يعترفون لبيونج يانج بمكانة تفوق بكثير حجمها الجيوسياسي والاقتصادي.

توازن الرعب النووي في أقصى الشرق؛ يفرض مُحددات دبلوماسية جديدة تفتقد إلى الحد الأدنى من المعايير المنطقية في الحوار. حيث إن النملة السامة التي تُقيم مع الفيل في غرفة واحدة؛ تفرض عليه تجنبها خوفاً من اللذعة القاتلة.

لا يوجد أي توازن بين قدرات كوريا الشمالية الدبلوماسية والاقتصادية وحتى العسكرية المتواضعة وبين قدرات الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية. وبالفعل فإن حجم هؤلاء بالنسبة لحجم كوريا الشمالية، كحجم الفيل بالنسبة للنملة. ولكن هذه النملة أصبحت قاتلة، وأي محاولة للقضاء عليها قد تُعرض الفيل لخطر الموت.

بانتظار قمة نهاية أبريل بين زعيمي الكوريتين وقمة أخرى بين الرئيسين الأمريكي والكوري الشمالي، يترقب العالم أجمع تطور الأحداث، لأن السياسة الأمريكية الجديدة تعتمد على عوامل القوة أكثر مما تعتمد على دبلوماسية النفس الطويل.

*جريدة الخليج