عن تركيا إسفيناً سورياً

د. قصي الحسين

اتفقت موسكو وأنقرة كلاهما وربما دون تنسيق بينهما، على شن هجوم عنيف على أهداف التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية لإنشاء “قوة أمن حدود”، شمال سورية وشرقها بعديد ثلاثين ألف مقاتل، نصفهم من قوات سورية الديمقراطية (قسد)، على الرغم من أن حسابات موسكو، لا تتفق بالنقاط مع حسابات تركيا. ذلك أن الكرملين يريد جلاء واشنطن بالكامل عن الأراضي السورية، مع الاحتفاظ بدور لها في مفاوضات سوتشي وجنيف وربما آستانة. أمّا تركيا، فلا يهمها من الأمر، إلاّ خروج الأكراد كدولة من جميع المعادلات وربما من جميع السياسات والمناورات الجارية في الشمال السوري.

ويلح لافروف وزير الخارجية السوري على مطالبة واشنطن، بتقديم توضيحات عما أسماه “توجهاتها المقلقة” في “قاعدة التنف” في الشمال السوري وصولاً إلى “البوكمال”. ولو أنه يؤكد في الوقت عينه على دور إيجابي منها لمواصلة العمل على تنظيم “مؤتمر الحوار السوري”، باعتباره “الآلية الصحيحة” لتطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 2254، الذي ينص على آلية الانتقال السياسي في سورية.

أمّا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فهو يذهب أبعد بكثير من الموقف الروسي، لأنه يهدد بعسكرة موقفه والنـزول على الأرض لتوجيه ضربة قوية، وربما اجتياح مناطق ومدن أبعد من انتشاره الحالي لـ”وأد” القوة التي يريد التحالف برئاسة واشنطن تشكيلها في مهدها. وهو يعلن بالفم الملآن أن القوات المسلحة التركية، ومعها فصائل من المعارضة السورية “جاهزة لشن عملية عسكرية في أي وقت ضد معاقل وحدات حماية الشعب الكردية في عفرين وتلعفر ومنبج شمال البلاد.

ووقف النظام للتلويح بالقوة ضد “قسد”، ولو من وجهة نظر أخرى، لأنها مدعومة من أميركا والتحالف الدولي. وهو حذر من أن كل مواطن سيشارك فيها سيحتسب من جانب النظام في صفوف الخونة لسورية.

وإذا كان “لافروف” يذكر دائماً بسياسة موسكو التي تعمل على لم الشمل السوري ومداواة الجراح بعد ستة أعوام من الحرب بين النظم والمعارضة، وبين ألوية المعارضة نفسها: فصائل وجيش حر وغيره، فإن تركيا تعمل ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، بأن تكون إسفيناً سورياً، لا ترياقاً لمعالجة أمراض النظام وأمراض الثورة ومداواة الجراح التي عمقتها حرب طالت، وربما تطول أكثر.

وأطلقت موسكو مع شريكيها الإيراني والتركي مسار آستانة، واستطاعت أن تنتـزع ورقة موحدة حيال الأهداف والمهام ومعالجة الأخطار وصناعة الأماكن الآمنة، وسبل وطرق وصول النازحين إليها، وتوسعة شبكة الأمان حتّى تطال السوريين جميعاً، نظاماً ومعارضة ومعارضات.

غير أن تركيا وإيران لهما هاجسان مختلفان تماماً عن الهاجس الروسي: 1- هاجس إيران أن يستعيد النظام وحدة سورية بلا دولة كردية في الشمال، بل بتمثيل الأكراد ذاتياً ضمن النظام. 2- هاجس تركيا، عدم القبول بالدولة الكردية على حدودها بالمطلق، ولو استدعى ألأمر الاستعانة بالنظام وتسهيل مهامه العسكرية واللوجستية. وذهبوا أبعد من ذلك، حين استدعوا بعضاً من فصائل المعارضة الإسلامية والكردية أيضاً لتحتشد خلف الجيش التركي، لضرب العمق الكردي في سورية لأربعين كلم عن حدودها.

ويستفيد أردوغان من مواقف الروس حيال تشددهم من تأسيس قوة حماية الحدود الكردية (قسد)، بعدما اعتبر لافروف، أنه لا فرق جوهرياً بين إدارتي: باراك اوباما ودونالد ترامب، اللتين دعمتا أطرافاً تسعى إلى إطاحة النظام بدل مواجهة الإرهاب في السابق، وأن تصرفات واشنطن الحالية، إنما هي مشبوهة، لأنها تجسد الخطر الحقيقي في عدم التزامها بالحفاظ على “وحدة الأراضي السورية وسلامتها”. وهو تابع يقول (لافروف): “إن الإعلان عن تأسيس القوات الجديدة التي ستفرض سيطرتها على المناطق الحدودية مع العراق وتركيا وفي شرق الفرات، يعني العمل على إضعاف وحدة الأراضي السورية، لافتاً إلى أن الوضع المعقد في المنطقة بين العرب والأكراد، إنما يدفع إلى التساؤل عن طبيعة التحرك الأميركي الأخير. ولم ينس لافروف أن يبعث برسالة تعبر عن قلقه لوجود توجهاً أميركياً لتقسيم سورية والإخلال بقرارات مجلس الأمن التي أكدت ضرورة ضمان سيادة البلاد ووحدتها (الحياة 16/1/2018، ص 6)

أمّا تركيا، فذهبت ميدانياً أبعد بكثير من الموقف الروسي والموقف الإيرني. إذ وضعت نفسها إسفيناً سورياً لا يساوم، في حال مضت السياسة الأميركية بقيادة التحالف لبناء قوة وحدة حماية الشعب، وإسناد “قسد”، ورفع الأسوار وحمايتها حول فكرة الدولة الكردية. وهي أعلنت أنها ستبدأ بقصف 150 هدفاً لوحدات حماية الشعب “الكردي”، قبل أن تقود هجوماً برياً، تشارك فيه فصائل قوية من المعارضة السورية التي اختبرت ولاءها لتركيا طيلة الستة أعوام السابقة.

واختار أردوغان ليكون مخرزاً في العين السورية، منذ بداية “الربيع السوري” (بين مزدوجين) حتّى آستانة. وهو يلوح اليوم أنه سيكون إسفيناً سورياً في معادلات التسوية الجارية في واشنطن والتحالف الدولي ولدى روسيا وإيران والنظام والمعارضة. فهل ينجح حزب العدالة والتنمية في تصعيد أردوغان في التسوية السورية. ولمن سيهدي أردوغان إسفينه السوري في اجتماعات المحافل القادمة للتسوية في سورية، لموسكو أم لواشنطن؟

 

* أستاذ في الجامعة اللبنانية

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث