“الأنباء” تقرأ خارطة التحالفات الإنتخابية في العراق: تشرذم طائفي ومذهبي وإثني

يتوجه نحو 24 مليون ناخب عراقي من أصل 36 مليون نسمة في 12 أيار المقبل إلى صناديق الاقتراع، لانتخاب مجلس تشريعي جديد، بعد أن رفضت المحكمة العليا العراقية تأجيل الانتخابات التشريعية وأصرت على إجرائها في موعدها، الانتخابات التشريعية العراقية التي تعتمد قانون الاقتراع النسبي واللوائح المقفلة، وهذا ما يشبه بدرجة من الدرجات القانون الانتخابي اللبناني مع فارق الصوت التفضيلي (البدعة)، وتراعي عملية تشكيل اللوائح توزيع المقاعد على أساس المحافظة، حيث تعتبر كل محافظة من المحافظات الـ 18 دائرة انتخابية. كما تراعي عملية التشكيل نظام “الكوته للإقليات ونسبة معينة للنساء”.

في المشهد الانتخابي العراقي يتوزع العراقيون إلى ثلاث كتل طائفية وإثنية كبرى، الكتلة السنية والكتلة الشيعية والكتلة الكردية، وهذه الكتل ما زالت تحتفظ بحدودها الجغرافية، ومكانتها الديموغرافية وقوتها السياسية، ولم يحصل أي تغيير في طبيعة وتركيبة تلك التكتلات يؤدي إلى تحقيق أي اختراق انتخابي تروج له وتدّعيه بعض اللوائح، خاصةً أن المجتمع العراقي مازال ينزف دماً وألماً، بفعل المواجهة الشرسة التي يخوضها مع “دولة” أبو بكر البغدادي من جهة، ونتيجة الدمار الهائل الذي خلفته الحرب على الحواضر السنية تحديداً من جهة أخرى، حيث تم تهجير ونزوح أعداد هائلة من هذا المكون العراقي، فضلاً عن أن المكوّن السني مازال أيضاً يعاني من حركة تهميش سياسية منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 حتى اليوم.

كما أن حالة التشرذم العراقي تضاعفت نتيجة الصراع الجديد مع الأكراد بعد الاستفتاء الذي جرى في أيلول الفائت حول استقلال كردستان، لذلك وعلى عكس ما يعتقد البعض فإن الانتخابات العراقية القادمة، لم ولن تكون مدخلاً لإعادة اللحمة بين العراقيين، أو مسلكاً لاستنهاض الكيانية العراقية التي يتحدثون عنها في الوسط السني وفي الوسط الشيعي على حد سواء، فحالة التشرذم العراقي لا يمكن الشفاء منها على المدى النظور، فالشعارات التي تتحدث عن عراق واحد موحد، وعن هوية عراقية وعن انبعاث العراق الجديد، تبقى في خانة التمنيات والأهداف التي يجب الوصول إليها، وليست في خانة العمل الميداني المباشر للشروع في تحقيقها.

فإذا تناولنا المكون السني مثلاً، نجد أنه يعاني من إشكالية كبيرة ناتجة عن نزوح ملايين العراقيين السنة، من المدن والحواضر تدمرت على يد التحالف الدولي بعد أن تحولت الى ساحة حرب ضد (داعش)، كما أن هذا المكون يتشتت في أكثر من 50 حزب ومنظمة وكيان سياسي تتجاذبه شتى الاتجاهات، لكن الاتجاه الرئيسي الذي يجمع بينهم هو الذي يدعوا إلى إعادة بناء الدولة، ويدعوا إلى إعادة العراق الى مظلته العربية، وسط بيئة محبطة يائسة لا تمتلك مقومات الصمود، فمعظم العائلات والأسر التي نزحت من المدن والحواضر والقرى العراقية ما زالت تعيش في مخيمات فقيرة ومهملة، وبالتالي فإن القوة الرئيسية الحالية للمكون السني، تكمن في التشكيلة المجتمعية أكثر مما هي في التشكيل السياسي، فالتشكيلات العشائرية والتشكيلات القبلية في المدن والمحافظات، كما التشكيلات الحزبية والائتلافات تدل من حيث بنائها المناطقي والعشائري، ومن خلال أسمائها على تلك الناحية، اكثر مما تنم عن كونها قوة حزبية قائمة على برامج وأفكار سياسية.

في المقابل تتوزع قوى المكون الشيعي بين 71 حزب وتنظيم وكيان سياسي، وهو المكون الأقوى من الناحية السياسية ومن الناحية الجغرافية والديموغرافية والمهيمن على الدولة العراقية منذ الاحتلال الأميركي وسقوط نظام صدام حسين، لكن هذا المكون الذي شهد أوج قوته في سيطرة (حزب الدعوى) على السلطة وتحالفه مع المكونات الشيعية الأخرى، يعاني الآن من انقسام حاد أفقي وعمودي، انقسام عمودي أساسه دعوة المرجعية النجفي (آية الله السيستاني) لدعم مسيرة الإصلاح ومحاربة الفساد، وإعادة العراق إلى محيطه الطبيعي، أي الدعوة التي تتضمن رسالة واضحة وصريحة لمواجهة النفوذ الإيراني. في مقابل مرجعية السيستاني مازال النفوذ الإيراني قوة أساسية داخل حزب الدعوى عبر رئيسه نوري المالكي نائب رئيس الجمهورية العراقية، والمنافس الرئيسي لرئيس الحكومة حيدر العبادي، ويمتد هذا الانقسام الى الحشد الشعبي، حيث نرى أقسام كبيرة من هذا الحشد تمولها تسلحها إيران تسليحاً جيداً تعمل عليها وفق خطة محكمة يشرف على تنفيذها مجموعة من المستشارين الإيرانيين، وتهدف إلى تمكين الوجود الإيراني من تثبيت نفوذه وهيمنته على مفاصل الدولة العراقية.

ينقسم حزب الدعوى اليوم االى اتجاهيين كبيرين، أحدهم يوالي رئيسه الحالي الموالي لإيران (نوري المالكي)، وآخر يوالي رئيس الحكومة (حيدر العبادي) الذي يعمل على تشكيل قائمة عراقية تخترق الطوائف والمكونات العراقية، ليقول أنه يمثل العراق الجديد الموحد المستقل، إضافة إلى ذلك تتشكل في المكون الشيعي قوة ثالثة وكبيرة توالي مقتدى الصدر(التيار الصدري)، الذي تنقل في مواقفه على مدار السنوات السابقة من موقع إلى آخر حتى استقر الآن على الدعوة لاستقلال العراق ووحدته، ودعم المسار العروبي داخل العراق، وهذا ما تشير إليه تحالفاته ومواقفه، على الرغم من أنه لم يندرج ضمن لوائح وتحالفات رئيس الحكومة حيدر العبادي، بل احتفظ بلائحته المستقلة، وبالتالي يتصارع داخل المكون العراقي ثلاث لوائح بقيادة، المالكي والعبادي والصدر.

الثالث الرئيسي في المكون العراقي وهو المكون الكردي، الذي كان يتصرف كقوة موحدة، إلاّ أنه وبعد الصراعات التي نتجت عن الاستفتاء حول الحكم الذاتي، وانسحاب الملا مسعود البرزاني من المشهد السياسي، فإن الحزبين الأساسيين لم يستطيعا تشكيل تكتل مشترك على قاعدة الخلافات التي نشأت بينهما، فإن الحزبين الكرديين الأساسيين سوف يتنافسان على 60 مقعداً من مقاعد البرلمان العراقي البالغة 328 مقعدا، وبهذا نكون أمام مشهد انتخابي مفكك مقارنة بالانتخابات السابقة، حيث تنافست قوتين أساسيتين هما لائحة نوري المالكي ولائحة أياد علاوي، الذي حصل فيها علاوي على اغلبية المقاعد النيابية دون أن يتمكن من تولي رئاسة الحكومة، بحكم التدخل الإيراني الذي أصر على تولي المالكي تشكيل الحكومة وبموافقة أميركية.

الجديد في الانتخابات العراقية، الانفتاح الذي جرى بين الكتلتين الرئيسيتين داخل الطائفة الشيعية، على المملكة العربية السعودية وعلى الإمارات العربية المتحدة، وعلى الوسط العربي عموماً، وهذا الانفتاح حصل بفعل توجهات رئيس الوزراء حيدر العبادي، والتوجهات الجديدة للتيار الصدري، وبفعل الدعم الذي يؤيد هذا الاتجاه من المرجع الشيعي علي السيستاني في النجف الأشرف، هذا الجديد يدل على التراجع في النفوذ الإيراني وعلى انفضاض كبير في الوسط الشيعي العراقي عن الحالة الإيرانية المتغلغلة في العراق، حيث بات الصراع صريحاً وواضحاً بين شيعة عراقيين يريدون العودة إلى المظلة العربية، وشيعة عراقيين مؤيدين للتبعية لإيران ولمذهب ولاية الفقيه.

*فوزي ابو ذياب- “الأنباء”