انتخابات لبنان والعراق على وقع الصراع الاقليمي… صراع احجام وأدوار

تتزامن الانتخابات التشريعية العراقية في 12 أيار القادم، مع الانتخابات البرلمانية اللبنانية في 6 أيار المقبل، بعد فشل محاولات تأجيلها، وإذ تتشابه الساحتين العراقية واللبنانية في تنوع مكوناتها الطائفية، وتأثير دول الجوار عليها، لا سيما الدور الإيراني والسعودي، مع اختلاف أسلوب ودور وحجم تأثير كلا القوتين على الكتل الناخبة في البلدين، فإن نتائج تلك الانتخابات قد تحدد مكانة ودور وتأثير وحجم كل من طهران والرياض في السياسات المستقبلية للعراق ولبنان، مع هامش الفوارق والخصوصية التي تحكم واقع تلك الدولتين.

في العراق تبدو إيران اليوم، وكأنها في موقع دفاعي وتحاول إعادة ترتيب أوراقها من جديد، وبث الحياة السياسية في الكيانات التابعة لها، وتحاول جمع وتوحيد تلك الكيانات في محاول للفوز بأعلى نسبة تمثيل داخل البرلمان العراقي، وبالتالي القدرة على التأثير في السلطة القادمة، وهذه الحالة الدفاعية تواجه اختبارا رئيسيا يتحكم به المزاج الشعبي، فالقادمون من العراق يتحدثون عن مزاج شعبي ليس في صالح طهران، ولا القوى التي تعمل وفق الأجندة الإيرانية، وذلك لا يعني أن المزاج الشعبي العراقي، لديه موقف إيجابي من الأطراف الأخرى، فثمة فرق بين أن يكون المزاج الشعبي يائس ومحبط من اتجاه ما، وبين أن يكون متحمس لاتجاه آخر، فالموقف السلبي من الاتجاه الإيراني موجود لكن في المقابل لا يوجد موقف شعبي حقيقي مؤيد للقوى التي تحاول أن تكون بديلة عن القوة الإيرانية المهيمنة في العراق. من جهة أخرى تشكل عملية إعادة إعمار العراق، أهم التحديات المستقبلية التي تواجه كافة القوى العراقية بعد الانتخابات التشريعية، وفي هذه العملية تبدو إيران الغائب الأكبر عن لعب هذا الدور، بعد أن لعبت أدوار معاكسة على اعتبارها واحدة من القوى الناهبة والسالبة والمدمرة للعراق، ولم نسمع أي كلام إيراني وازن وفاعل حول إعمار العراق بعد أن التأم مؤتمر إعادة إعمار العراق في الكويت، وكان بمشاركة فاعلة سعودية وإماراتية وقوى دولية أخرى.

من هنا فأن العامل العربي الرسمي الذي تمثله المملكة العربية السعودية، بدأ يتحرك بآليات مؤثرة وقوية داخل المجتمع العراقي، حيث أن المصالحة مع الأقسام الكبيرة من الشيعة العرب في العراق وكذلك الصلات المستمرة مع المكونات السنية العراقية تسهل من إمكانية قيام تحالفات وتقارب انتخابي تنعكس إيجابا في نتائج الانتخابات النيابية لمصلحة الاتجاه العراقي المستقل والاتجاه العروبي والاتجاه الذي يريد بناء دولة عراقية حديثة بعيدة عن الهيمنة الإيرانية وغير متصادمة مع أشقائها العرب تحديداً دول الخليج العربي، وتجاوز الأزمة الكبرى التي نتجت عن اجتياح العراق لدولة الكويت، والقيمة الرمزية لانعقاد مؤتمر إعادة إعمار العراق في الكويت، هي قيمة تعكس رمزية التجاوز التاريخي لتلك العقدة السابقة المؤلمة لتاريخ العلاقة بين البلدين ولتاريخ العلاقة بين مجمل دول الخليج العربي.

هذا الاتجاه الجديد في الانتخابات العراقية، وفي الرؤية الجديدة لإمكانية إنتاج دولة عراقية ضمن تحالفات أكثر وضوحاً واصطفافا لصالح القوى العروبية والقوى المستقلة، بما فيه العلاقات الشيعية السنية، فإن هذا الأمر لا يتصادم مع السياسات الأميركية الجديدة في العراق والتي بدأت منذ عام تقريباً وبتصريح لوزير خارجيتها ريكس تيلرسون في تشرين أول الماضي، “أن على الميليشيات الإيرانية في العراق أن تغادر العراق وتعود إلى إيران”، وبالتالي فإن العلاقات الأميركية الإيرانية الراهنة في العراق وفي ظل احتدام الصراع الإقليمي تساهم في إضعاف النفوذ الإيراني داخل العراق، وتدفع باتجاه تشكيل تحالف شيعي – سني عراقي مستقل، يستطيع أن يتفاهم من جديد مع المكون الكردي، ويستطيع أن يدفع الدولة العراقية باتجاه التفاعل مع المحيط العربي، لكن هذا الاتجاه الأميركي لا يمكن الركون إليه باعتباره عامل مضمون، فالعلاقات الأميركية الإيرانية في العراق تحكمها مصالح خاصة وهي أكثر تعقيدا من أن تكون “إما على سكة صدام كامل، أو على سكة توافق كامل”، فالعلاقات الأميركية الإيرانية في العراق فيها الكثير من التناقضات والخلافات على السطح، والكثير من التفاهمات والاتفاقات في الباطن، والعراق شهد نماذج عديدة لهذه الازدواجية، حيث يبدو الخلاف سياسي، واجهة طبيعية لاتفاق أمني وعسكري.

لذا فإن أمام اللاعبين الجدد، لا سيما السنة العراقيين وخلفهم المحور العربي بقيادة المملكة العربية السعودية أن يحددا ما إذا كانا قادرين على لعب دور حقيقي في دفع هذا الاتجاه نحو التبلور ومساعدة ودعم الاتجاه العراقي المستقل، حينها ستكون معركة مفتوحة وليست بسيطة على الإطلاق، وعلينا الانتظار لمعرفة نتائج الانتخابات وما ستفسر عنه، والفرصة اليوم متاحة مع وجود رئيس حكومة مثل السيد حيدر العبادي، وبوجود اتجاهات شيعية كبرى ووازنة على المستوى التمثيلي تريد التحالف مع المكون السني وتحت عباءة المظلة العربية.

إذا انتقلنا في الصورة من الحالة العراقية إلى الحالة اللبنانية، نجد انعكاسا في المشهد والدور، فالإيراني في لبنان في حالة هجوم وليس في حالة دفاع، عبر تحالف الثنائي الشيعي، (حزب الله – أمل) ومن خلال القانون الانتخابي الجديد، والعكس أيضا بالنسبة الى حالة القوى السنية والقوى الاستقلالية التي تتحرك المملكة العربية السعودية لإعادة ترتيب صفوفهم (قوى 14 آذار السابقة).

فالوضع في لبنان وفي المشهد الانتخابي على وجه التحديد، يختلف عما هو المشهد الانتخابي في العراق، فحزب الله الحليف الأول لإيران في لبنان هو من يقرر الاتجاه العام للانتخابات وله تأثير بالغ الأهمية في نتائجها من خلال صياغة لوائح تحالفاتها، كما أن القوى الدولية ليست فاعلة بما فيه الكفاية في لبنان، فالإدارة الأميركية تهتم بالمؤسسة العسكرية اللبنانية، وتتابع بالدرجة الأولى المؤسسات المصرفية في لبنان، ولا ترى فائدة كبيرة من التدخل في الشأن الانتخابي اللبناني، لأن الشرعية اللبنانية وإن تمكن منها حزب الله، لن تعطيه غطاءً حقيقياً ولا تقدم له الحماية التي يريد، لا بل قد تزيد من صورة الاشتباك واللا استقرار التي ينعم بها.

وعلى عكس الواقع العراقي أيضاً، فإن العامل الإسرائيلي في لبنان أساسي ومؤثر وحاضر دائم سواء على الحدود الجنوبية، عبر مسألة الجدار، وعبر ترسيم الحدود البحرية، وعبر مسألة الصراع المباشر مع إيران ومع حزب الله، وبالتالي فإن الحضور الإسرائيلي في لبنان يجعل من المشهد اللبناني أكثر تعقيدا منه في العراق، حيث أن الدولة اللبنانية وسلطاتها تأتي في الدرجة الثانية في تركيبة الصيغة الطائفية وتوازناتها القائمة، أي أن الشرعية اللبنانية محكومة بنظام الديمقراطيةالتوافقية مهما كانت نتائج الانتخابات النيابية، وما شاهدناه في الفترة السابقة يؤكد ذلك، فالغالبية النيابية لفريق 14 آذار لم تستطع ترجمة نفسها في مؤسسات الدولة، لا بل العكس فإن الأقلية البرلمانية هي من تحكم في مؤسسات الدولة، كما أن واقع لبنان لا يمكنه من التأثير في معادلات الصراع الإقليمي.

لذلك فإن الأسلوب الدفاعي الجديد الذي يمارسه رئيس الحكومة سعد الحريري، وتمارسه المملكة العربية السعودية، ربما ينجح إلى تعديل جزئي في نتائج المشهد الانتخابي اللبناني، لكن لا يبدل بالأمر شيئاً، وكذلك فإن فوز حزب الله بالغالبية النيابية كما هو مرجح، لن يعدل كثيرا في واقع الحال الداخلي، لا بل إن إسرائيل ستحمل الدولة اللبنانية مسؤولية هذا الانتصار، وستحمل المجتمع الدولي مسؤولية السكوت عن حزب الله أو عن سيطرته على الدولة اللبنانية، وستكون على تماس مباشر مع حزب الله عبر الدولة اللبنانية.

أما فيما يخص الصراع العربي الإيراني في المنطقة، فإن هذا صراع مفتوح على كل الساحات، وفي في كل ساحة يكتسب خصوصية خاصة مختلفة عن خصوصيته في الساحة الأخرى، فخصوصية الصراع العربي الإيراني في لبنان تختلف عنه في العراق وكذلك في سوريا والبحرين واليمن، والاتجاه العام وإذا كان الدور الإيراني في سوريا وفي لبنان في حالة هجوم، فهو في سياسة دفاعية في كل من البحرين والعراق واليمن. ورغم ذلك فإن الاتجاه العام لهذا الصراع ليس لمصلحة إيران.

فالقوى الإقليمية تستفيد من الاتجاهات العامة للراعي الدولي، والاتجاهات العامة الأميركية في المرحلة الحالية والمقبلة ترتكز على تحجيم الدور الإيراني في الشرق الأوسط وبتوافق تام مع الاتجاهات الأوروبية، ذلك يعني أن المحور العربي سيكون قادراً على الاستفادة من هذا المناخ والدفع بقواه مجددا لإلحاق الخسائر الجديدة في الحالة الإيرانية التوسعية في المنطقة العربية، خاصة وأن هذه الحالة تشهد في تلك الفترة تصريحات عالية المستوى، تعكس الأزمة الداخلية التيتتصاعد داخل المجتمع الإيراني على مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإثنية، ولا يمكن قراءة حركة الصراع العربي الإيراني المتصاعد في المنطقة بمعزل عن ما يجري داخل إيران، وبمعزل عن السياسات الأميركية، التي انتقلت من خانة أوباما إلى خانة ترامب، بطريقة مؤثرة وواضحة بما يخص الدور والتوسع الإيراني في المنطقة العربية وفي مجمل السياسات العامة.

*فوزي أبو ذياب- “الأنباء”