الإنتخابات في مضامينها وخياراتها!

رامي الريّس (النهار)

ليست الإنتخابات التشريعية المرتقبة في لبنان مجرد إستحقاق دوري عابر، فهي تكتسب أهمية إستثنائية للعديد من الإعتبارات، أبرزها ما يلي:

أ‌-إنها المرة الأولى التي يعتمد لبنان نظام الإنتخاب النسبي وليس الأكثري. صحيح أن الحركة الوطنية اللبنانية كانت السباقة في طرح هذا النظام من خلال البرنامج المرحلي  للإصلاح السياسي الذي أعلن  في آب 1975، إلا  أنها إقترحته من ضمن سلة إصلاحات متكاملة في طليعتها إلغاء الطائفية السياسية.

إن الحياة السياسية اللبنانية غارقة في الطائفية، لا بل المذهبية، والحياة الحزبية غير منتظمة بفعل تداعيات الحرب وما رافقها من إشكاليات كبيرة، وهذان العنصران يضعفان من أهمية النظام الإنتخابي النسبي ودوره في إعادة تركيب السلطة السياسية وفق قواعد التمثيل الصحيح.

مهما يكن من أمر، فإن القانون أصبح أمراً واقعاً الآن، وكل القوى السياسية تتعاطى معه على هذا الأساس وستخوض الإنتخابات وفق مضامينه ومواده.

ب‌- إن حالة خلط الأوراق السياسية التي حصلت في الساحة اللبنانية وفي طليعتها تفاهم معراب، ثم تعثر تفاهم معراب، وصولاً إلى التسوية الرئاسية التي أدت إلى وصول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا؛ ساهمت بشكل أو  بآخر بتفكيك التحالفات السابقة التي فرضت نفسها منذ إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في شباط 2005، والتي تمثلت بفريقي 8 و 14 آذار.

هذا التقسيم التقليدي لم يعد قائماً إلا في مخيلة البعض، والإنفكاك  التدريجي للقوى السياسية عن بعضها البعض التي كانت ملتصقة في هذا  المعسكر أو ذاك خير دليل على الواقع  السياسي المستجد.

ج‌- لعل الظروف التي دفعت إلى تأجيل الإستحقاق الإنتخابي وتأخيره لثلاث دورات متتالية ما حال دون أن يمارس اللبنانيون حقهم  الديمقراطي في إختيار ممثليهم للندوة البرلمانية ويجعل هذا الاستحقاق يكتسب أهمية إضافية وهو ما قد يؤدي إلى رسم صورة مشهد سياسي جديد في الساحة اللبنانية.

د‌- إن النقاش السياسي والإنتخابي وفقاً للقانون الجديد، يتصل إلى حد بعيد بطبيعة النظام اللبناني. فالمجتمع اللبناني ليس مجتمعاً متجانساً، بل هو شديد التنوع وفق المعايير السياسية والطائفية والمذهبية والمناطقية وبالتالي المعادلات السياسية التي تتولد بعد الإنتخابات سيكون لها الدور الأساسي في تحديد وجهة المسار المستقبلي  للبنان.

صحيح أن عدداً من الكتل البرلمانية الكبيرة حافظت على حضورها السياسي في البرلمانات المتلاحقة في الدورات الإنتخابية الأخيرة، ولكن الصحيح أيضاً أن ولادة كتل برلمانية صغيرة ومبعثرة قد يجعل التفاهم السياسي بين اللبنانيين، بفعل طبيعة النظام  وتعدديته كما سبقت الإشارة، مسألة في غاية الصعوبة.

بطبيعة الحال، ليس الهدف من هذا الكلام قطع الطريق على خيارات  اللبنانيين في إنتقاء ممثليهم، إنما لفت النظر إلى ما قد يتولد في المستقبل القريب من سيناريوهات سياسية وبرلمانية.

مهما يكن من أمر، فإن اللبنانيين مدعوون لممارسة حقهم في الإنتخاب بحرية ومسؤولية على قاعدة القراءة الدقيقة لمواقف الأطراف السياسية وسعيها لحماية الإستقرار وليس على قاعدة التعميم الأعمى التي تطال الجميع وتضعهم في سلة واحدة دون تمييز.

صحيح أن الشعب اللبناني تعب من السقوط المتتالي لمشاريع النهوض الإقتصادي ما ولد حالة غير مسبوقة من التردي المعيشي، وصحيح أن المواطن العادي لا يميّز بالضرورة بين أداء مختلف القوى السياسية ويحملها مجتمعة مسؤولية هذا التردي؛ ولكن الصحيح كذلك أن ثمة أداء وسلوك سياسي على المستوى الوطني في المنعطفات الكبرى أو في المحطات التفصيلية، لا يمكن إغفاله والتغاضي عن نتائجه الإيجابية التي تمثلت تحديداً في الإستقرار والسلم الأهلي.

دعونا لا نستخف بهذا العنوان. فمع النيران المشتعلة في المحيط، يبدو هذا الإستقرار بارقة الأمل الوحيدة المتوفرة!

——————————

(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة

Facebook: Rami Rayess II

Twitter: @RamiRayess