مخاطر تشويه المجتمع المدني
منير بركات
22 فبراير 2018
من مخاطر مصادرة وتشويه مفهوم وممارسة المجتمع المدني ربطا بعرض النماذج على مستوى اقتباس بعض خصائص الحداثة من بعض دول العالم لا سيما في العالم العربي التي اعتمدت دساتير معاصرة في تنظيم شؤونها، لنكتشف تزييف الحداثة بأساليب مخابراتية مبتكرة في التلاعب على القوانين، واغتصاب حرية الفرد، وتزييف الانتخابات والنتائج، وفي اخضاع القضاء ورفض شرعة حقوق الانسان.
ومن المعروف بأن شروط الدولة الحديثة او المعارضة المدنية عليها الالتزام بسلة كاملة دون الاستنساب والتفصيل على قياس السلطة او قيادة المعارضة.
وهذه الشروط المتناسلة والمترابطة قائمة على مفاهيم الحرية، الديموقراطية، الوطن، المواطنية، القانون، السيادة، فصل السلطات، السلطة القضائية، حقوق الانسان الفرد. اذن هذه المفاهيم هي الشروط الاساسية بالإضافة لبعض المصطلحات الاخرى التي تحدد هوية الدولة المدنية الحديثة، او شعارات المعارضة المدنية التي تنشد استلام السلطة أو اصلاح النظام، ولا يمكن ان تكون كذلك بمعزل عن هذه المواصفات مجتمعة.
والجدير بالذكر بأن بعض القوى المعارضة في صلب السلطة لعبت وتلعب دوراً ضمن الأمكانيات المتوفرة لديها في النضال المطلبي وتخوض معركة الاصلاح من الداخل والخارج بالرغم من الضربة الموجعة للمشروع الوطني واغتيال الشهيد كمال جنبلاط على ايدي من يدع الحداثة والعلمنة والذي ما زال يسفك دماء شعبه ولم يشبع ثقافته التي تتميز بسادية الدم والاقصاء، الا انها بقيت وفية بالتمسك في الخيارات الوطنية الديموقراطية وما زالت تنهل من تراثه الذي قدم ارقى مشروع وطني اصلاحي حديث ببعده الانساني.
انطلاقا من ذلك لا يجوز تعميم اطلاق الاتهامات على الجميع سواسية في الوقت الذي يعيش فيه معظم ما يسمى المجتمع المدني الالتباس في خطه ووحدته وتحالفاته وخلفياته وبعده واهدافه وهويته مما ينزع عنه في كثير من الاحيان اسمه و صفته المدنية.
لا شك بأنه من السهولة التحريض على هذا النظام الطائفي الفاسد والمأزوم وتجميع مبيقاته لتشكل عناوين للاستقطاب المعارض ولكن الاهم بلورة المشروع البديل ونسج التحالفات الوطنية الحقيقية وليس بآدلاء الاصوات وهدرها يوم الانتخابات لمصلحة من يرفض قيام الدولة لتصبح المعارضة “كلام حق يراد به باطل”.
من الواضح بأن شرائح المجتمع المدني اللبناني المعارض متحدرة من اصول وطنية وسيادية وتقدمية، وفي غياب وحدتها وبرنامجها تذهب اصواتها نزفا لمصلحة الخصم السياسي الذي يتمتع بولاء شعبي غريزي متماسك لم يخسر من قاعدته الا نادرا باتجاه المعارضة المدنية، وفي ظل عدم امكانية تشكيل البديل المدني المعارض في الوصول الى السلطة التشريعية يكون قد قدم هدية لمن يشكل اساس اعتراضه في هذا النظام السياسي من خلاء تحييد ناخبيه لمصلحة من يتحمل مسؤولية مسيرة القمع والأقصاء والتضييق على الحريات وضرب المشروع الوطني.
*رئيس الحركة اليسارية اللبنانية