ساحة موسكو لرفض “إعلان قانون توحيد القدس صفقة القرن”

د. قصي الحسين

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السادس من كانون الأوّل/ ديسمبر من العام الفائت 2017، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، متحدياً تحذيرات عالمية من مغبة القرار وعواقبه. وقال بالفم الملآن: “قررت أنه آن الأوان للاعتراف رسمياً بالقدس عاصمة لإسرائيل”. وأنه أمر ببدء التحضيرات لنقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس المحتلة. وقرن إعلانه الناري هذا الذي ألهب مشاعر العرب والمسلمين والفلسطينيين، أنه يعد ببذل أقصى جهده للتوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، داعياً إلى “مقاربة جديدة” إزاء النـزاع العربيّ – الإسرائيلي” (الحياة 7م12/2017، ص 1).

وانتقد الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة “قانون توحيد القدس” واعتبره “إعلان حرب”. أمّا صائب عريقات فقال: “هذه مرحلة فرض الحلول مرحلة إسرائيلية/ أميركية” جديدة تسعى لفرض الحلول علينا. واتهم إدارة ترامب بالانقلاب على مواقف الإدارات السابقة، مشيراً إلى وجود رسالة مكتوبة من الرئيس باراك أوباما موجهة إلى الرئيس عباس أبو مازن يعرب فيها عن التزام الولايات المتحدة إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس. وقال إن ترامب وفريقه عقدوا 36 لقاء مع الجانب الفلسطيني بهدف بحث استئناف عملية السلام، لكنهم ذهبوا إلى خطوات، أخلوا فيها بكل القواعد، التي قامت عليها العلاقة بين الجانبين طيلة العقدين الماضيين (الحياة 3/1/2017، ص 6)

وعقب إعلان قانون “توحيد القدس”، دعا الرئيس الفلسطيني عباس أبو مازن إلى تنحية الخلافات، والعمل الفوري على تحقيق المصالحة الوطنية، أمّا حماس فردت أن القرار الأميركي الذي يعتبر “صفقة القرن”، إنما “سيفتح أبواب جهنم على المصالح الأميركية”.

وتصاعدت في الضفة والقطاع موجات الغضب والتظاهرات احتجاجاً على إعلان “توحيد القدس” عاصمة لإسرائيل باعتباره “صفقة القرن بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الإسرائيلي نتانياهو. فسارعت الأمم المتحدة خلال جلسة طارئة عقدت في 8/12/2017، للإعراب عن قلق بالغ بإزاء مخاطر تصاعد العنف”. وقال المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، “إن القدس هي إحدى قضايا الحل النهائي “الأكثر تعقيداً”، وأي قرار أحادي في شأنها قد يقوض جهود السلام وتترتب عليه عواقب على مستوى المنطقة بأسرها”. وأكد ملادينوف أن قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة “هي الوحيدة التي تحدد أسس ومبادئ مسار التسوية التي “لا خطة بديلة عنها”. ودعا الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني والمجتمع الدولي إلى “الإعداد للظروف المؤاتية للسلام، بناء على الأسس القائمة”.

 


وأعلن مجلس وزراء الخارجية العرب عن رفضهم قرار ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وبحثوا في اجتماعهم 9/12/2017 في القاهرة “آلية عمل” وزارية لمتابعة التداعيات. وجاء في مشروعهم “إن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة ورفضوا قرار ترامب وطالبوه بإلغائه، والدعوة لأميركا على أن تكون وسيطاً نزيهاً في عملية السلام.

وعقدت القمة الإسلامية في اسطنبول في 13/12/2017، وأعلنت “القدس الشرقية المحتلة عاصمة لدولة فلسطين. وأعلنت أيضاً أنه لم يعد من الممكن أن تكون الولايات المتحدة وسيطاً بين إسرائيل وفلسطين. وأكدت رفضها القرار الأحادي، غير القانوني وغير المسؤول للرئيس ترامب بالاعتراف بالقدس “عاصمة مزعومة لإسرائيل” واعتبرت قرار ترامب لاغياً وباطلاً”.

وفي مجلس الأمن واجه “الفيتو” الأميركي 14 صوتاً، وأحبط مشروع القرار العربيّ للقدس. واعتبرت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة “نيكي هايلي” أن التصويت في المجلس “إهانة لن ننساها أبداً”. أمّا الرئاسة الفلسطينية فوصفت “الفيتو” الأميركي بأنه استهتار بالمجتمع الدولي. وقال أبو ردينة أنه “مدان وغير مقبول ويهدد استقرار المجتمع الدولي لأنه استهتار به”. ولم يلبث البيت الأبيض أن أثار أزمة ثانية مع الفلسطينيين، حين اعتبر “حائط البراق” اسرائيلياً في 16/12/2017.

وفي 21/12/2017، صوتت الدول الأعضاء في الجمعية العامة على مشروع قرار لسحب اعتراف الرئيس ترامب. وحاز على غالبية 128 دولة من أصل 193. ووصفه الرئيس عباس أبو مازن بالانتصار التاريخي، فيما اعتبرت تركيا أن هذا التصويت يظهر أن “الكرامة لا تباع”. وبرز وجه “عهد التميمي” كأيقونة للانتفاضة الفلسطينية الطفلة ضد الاحتلال وضد قرار ترامب. فزج بها في السجن. وبعثتها (الطفولة الفلسطينية) الفنانة الايطالية “أليسا بيلونزي” عبر لوحتين، باعدت بينهما أيام قليلة، بطلاهما: عهد التميمي والفلسطيني فوزي الجنيدي وكلاهما 16 عاماً.
وحضت السلطة الفلسطينية أوروبا على التحول إلى لاعب سياسي. وفيما جدد وزير الخارجية البريطاني “بوريس جونسون” موقف بلاده “الواضح والمستمر من وضع القدس التي يجب أن تكون في نهاية الأمر العاصمة المشتركة لإسرائيل والدولة الفلسطينية، برز موقف وزير خارجية “ارلندا سيمون كوفني” الذي يعتبر قرار ترامب خطأ كبيراً. وخيبت الهند آمال “نتانياهو” حين رفضت دعم “إعلان توحيد القدس” وقال أمام مجموعة “إينديا توداي” الإعلامية في 16/1/2018، “بالتأكيد أشعر بخيبة أمل جراء التصويت”.

وأثار الإعلان عن اجتماع تم ترتيبه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، ولقاء آخر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، تساؤلات حول الدور الذي يمكن أن تلعبه موسكو في تحريك عملية السلام، في وقت تترقب الأوساط العربيّة ما سيطرحه “مايك بنس” نائب الرئيس الأميركي كأبرز مسؤول يزور المنطقة بعد إعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وأعلن السفير الفلسطيني لدى روسيا عبد الحفيظ نوفل، إن عباس “يعتزم زيارة موسكو في النصف الأوّل من شهر شباط 2018 لبحث الأوضاع في الشرق الأوسط، بما في ذلك القرار الأميركي في شأن القدس. أمّا اجتماع الرئيس الأميركي بـ”نتانياهو” فسيكون في آذار. ولذلك تأمل السلطة الفلسطينية بدور روسي – أوروبي في تحريك عملية السلام على أساس حل الدولتين، بعد انتهاء الدور الأميركي كوسيط نزيه. فهل تكون ساحة موسكو “وسيطاً نزيهاً” لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بعدما أعدمت واشنطن دورها وسيطاً نزيهاً نفسها بنفسها، ذلك أن هناك إجماعاً عربياً ودولياً على رفض إعلان توحيد القدس عاصمة لإسرائيل – صفقة القرن.

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث