وزير المالية يناقش التحديات الراهنة في رابطة العمل الإجتماعي

فردان-“الأنباء”
أقامت رابطة العمل الإجتماعي ندوة بعنوان “التحديات التي تواجه الإقتصاد اللبناني” لمناسبة مرور 60 عاما على ذكرى تأسيس الرابطة، في دار الطائفة الدرزية، حاضر فيها وزير المالية علي حسن خليل، بحضور الدكتور ناصر زيدان ممثلا النائب وليد جنبلاط، القاضي فيصل ناصر الدين ممثلا شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز نعيم حسن، المدير العام للمجلس الاقتصادي الاجتماعي محمد سيف الدين، مفوض الاعلام في الحزب الاشتراكي رامي الريس، رئيس الرابطة الدكتور مكرم بو نصار وأعضاء الهيئة الادارية، اكرم العربي ممثلا رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر، وعدد من الشخصيات السياسية ورؤوساء بلديات وشخصيات امنية واقتصادية ومصرفية واكاديمية.

بعد النشيد الوطني، وترحيب من رئيسة اللجنة الثقافية في الرابطة المهندسة دنيا أبو خزام الشعار، قال الوزير خليل: “السؤال الاساس هو: هل نحن في دولة مسؤولة تريد ان تخرج من ازماتها؟ وهل استطعنا ان نؤسس لدولة حقيقية يتقدم فيها منطق المواطنة على منطق الانتماء الطائفي والمذهبي وعقده الكثيرة لنستطيع ان نتحدث بمشاريع حلول للقضايا الكبرى.

قد يبدو مستغربا ان نتحدث في هذه الفترة التي تشد فيها العصبيات المذهبية لمناسبة الانتخابات النيابية ان اقول كطبقة سياسية ولا اتحدث بالشعارات، قد سقطنا في تجربة بناء الدولة الحقيقية.
الدولة وفي كل عهودها، ولا استثني احدا، ما زالت غارقة في بحور الانعزال في كل مستوياته، عندما لا نرى ان الحس الطائفي هو المتقدم ويخلق لنا حسا مرتبطا بالمنطقة، او بشارع او بخصوصية ما، دائما حتى نكسر روح المواطنة فينا على حساب العصبيات.

كلنا ربما قد نكون ساهمنا بذلك بشكل او بآخر، لكن بصدق اقول ان بعضا من القوى التي تتهم في الكثير من الاحيان بأنها مرتكزة على عصب طائفي ومناطقي او مذهبي هي من اصحاب الطروحات المتقدمة في مشروع بناء الدولة التي تخرج من هذه العقد. وهنا بكل جرأة اقول ان الزعيم وليد بك جنبلاط وان الرئيس نبيه بري رغم انهما مرتكزين في حزبيهما السياسيين على قاعدة طائفية، اقول بصراحة اننا لم نسمع في خطابهما يوما الا مشروعا وطنيا يلامس طروحات ابناء هذا الوطن على الدوام”.أضاف: “اليوم قد يبدو مستغربا ايضا ان نتحدث في شأن اقتصادي والناس عقولها مشدودة الى الانتخابات النيابية وما سيستتبع من فرز وتصنيف سياسي واشتباكات بالمعنى السياسي في العلاقات والمصالح قد تأخذ في بعض الاحيان حدة غير مقبولة، لكننا على ثقة ان كثيرين في هذا الوطن من الذين يؤمنون بحق بأننا يجب ان نستفيد من التجارب ويجب ان نعمل حتى لا تتكرر التجارب السيئة في حياة هذا الوطن السياسية، يعملون على جعل هذه الانتخابات فرصة للتوحد على الاقل بين المجموعات المختلفة.

تحدثت منذ قليل مع استاذ ناصر عن مقاربة وليد بك جنبلاط للانتخابات في الجبل حيث نقل لمن يعنيهم الامر انه مصر على ان تجري الانتخابات تحت عنوان الفرز الطائفي تحديدا في منطقة الجبل حتى لا يكون هناك استعادة لتاريخ اردنا وعملنا معا على ان نطويه لمصلحة استقرار الوطن وتطوره وازدهاره.

هذا الامر ليس شكليا او عابرا، لأن علينا ان نعرف ان هناك بعض القوى التي تريد ان تعيدنا الى الوراء، بعض من يريد ان يستحضر خطابات الماضي لكي يبني عليها قدرة يوظفها في الانتخابات النيابية او ما شابه. وهذا الامر علينا ان نواجهه ليس بردة فعل بل بالمواجهة المسؤولة التي تعزز علاقات المكونات اللبنانية مع بعضها ولا تفرق بينها ولا تسمح بحدوث شرخ بشكل من الاشكال”.وتابع: “كنا اليوم في مجلس الوزارء اجتمعنا لمناقشة مشروع موازنة العام، وهو موضوع يتصل مباشرة بطبيعة لقائنا هنا، وقلت بكل صراحة في مجلس الوزراء واكرر ان واقعنا الاقتصادي والمالي هو واقع صعب نواجه فيه تحديات كبرى بنوية لها علاقة بقدرة الدولة على الاستمرار وبقدرتنا على تلبية الحاجات في المرحلة المقبلة، خاصة واننا امام انظار المؤسسات الدولية التي تراقب بكل دقة وتتعاطى معنا على هذا الاساس.
اليوم لا يمكن ان نبحث في واقعنا الاقتصادي دون ان نجيب على اي هوية اقتصادية نريدها للبنان.
 هذا ما لم نستطع الاجابة عليه خلال اربعة عقود ماضية: هل نريد اقتصادا استهلاكيا فقط ام نريد اقتصادا انتاجيا تتوازن فيه كل العناصر ليصبح اقتصادا مستقرا يلبي احتياجات الناس والوطن وقدرته على الصمود.
هناك نقاش جدي وعلينا ان نعزز مساحة الانتاج في اقتصادنا على حساب المساحات الاخرى لنزيد ونعمق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي بشكل كامل.
نحن امام ركود اقتصادي وهو نتيجة ما حصل خلال السنوات الماضية ونتيجة ظروف سياسية اقليمية ومحلية. لبنان بلد يقوم بجزء من اقتصاده على الخدمات ويتأثر بالعوامل السياسية الاقليمية والازمات الاقتصادية في المنطقة مع تراكم الازمات السياسية التي تراكمت في السنوات الماضية وصلنا الى واقع من الجمود الاقتصادي، وامام معدلات نمو منخفضة في جميع القطاعات، وعجز عن استقبال اليد العاملة الناشئة المؤهلة والعادية ما وسع نسبة البطالة الموجودة بين الشباب على اكثر من مستوى، وأدى الى نقص في الاستثمارات التي تعزز الخدمات في الصحة والنقل وغيرها.
 نحن بلد نعتمد على الاستيراد في معطم ما نستهلكه وهو ما يسبب عجزا في الميزان التجاري الى حدود 14 مليار دولار اميركي، وهو ناتج عن طبيعة الاتفاقيات مع الجهات المختلفة عندما نصدر الى دول الاتحاد الاوروبي حوالي 500 مليون دولار مقابل استيراد 9 او 10 مليارات دولار”.

وقال: “هناك ضعف في القدرة التنافسية نتيجة الكلفة في انتاجنا في الزراعة والصناعة وكل المجالات، وارتفاع الكلفة بالتالي سيؤدي الى ضعف الانتاج، وهي كلفة مرتبطة بالطاقة واليد العاملة والبنى التحتية والنقل وتسهيل عملية التصدير وارتفاع كلفة المواد الاستهلاكية، اضافة الى كلفة رأس المال لأننا وللاسف في واقع مصارفنا تحول جزء كبير من التوظيفات المالية الى سندات الخزينة أي الى الربحية الاسهل على حساب التوظيف في مساحات استثمارية في القطاعات المختلفة.

 اليوم الاستيراد يوازي 93 بالمئة من الناتج المحلي وينخفض العجز الى حدود 9 مليارات دولار نتيجة التحويلات التي تأتي من الخارج الى لبنان رغم انها قد تأثرت مؤخرا نتيجة الازمات الاقتصادية العالمية وفي المنطقة ونتيجة الازمات السياسية مع دول الخليج وانعكاسها على طبيعة العمالة اللبنانية هناك.
العجز في الميزان يؤدي الى عجز في احتياط العملات الصعبة وذلك ادى الى القيام ببعض الخطط التي طرحت حولها علامات استفهام، ولا اريد ان انتقد هذه النقطة، لكن لو اردنا ان نحلل علميا نحتاج الى مقاربة مختلفة شبيهة الى حد ما بما اوصانا به صندوق النقد الدولي عندما اعد تقريره عن مسار الاوضاع المالية والنقدية في البلد خلال الاشهر الماضية، وهو ما طرحناه بما يتعلق بإصدارات وزارة المالية من السندات بالعملات الاجنبية او بالعملة اللبنانية.
علينا ان نزيد من القدرة التنافسية وزيادة الصادرات وهو ما يحتاج الى اصلاحات بنيوية، وفي موازنات العشر سنوات الماضية لم ترتفع نسبة الانفاق الاستثماري في الموازنة الى اكثر من 10 بالمئة‏. وانفاق 2017 الاستثماري كان بحوالي 8,8 بالمئة من مجمل الانفاق في الموازنة العامة”.

واعتبر خليل أن “هذا الواقع الاقتصادي الصعب ليس ميؤوسا منه اذا ما اجرينا بعض الاصلاحات البنيوية مثل تأمين الكهرباء وخطوط النقل، وهي امور غير مستعصية اذا كان هناك قرار سياسي حاسم استراتيجي يعالج المشكلة القائمة”.

وإذ سأل: “لماذا لم تنشأ معامل لانتاج الكهرباء في السنوات الماضية؟”، قال: “نحن استأجرنا باخرتين لمدة سنة ونصف واليوم اصبحنا في سبع سنوات وربما في تمديد جديد لثلاث سنوات. وهل الامر يعالج بهذه الطريقة ام نذهب الى خيارات جذرية جدية تتحمل فيها الناس مسؤولية حقيقية للانتاج؟”.

والامر نفسه يتعلق بقطاع الاتصالات، ونحن نريد ان يكون على اساس الشفافية وأن يكون قطاعا مربحا للدولة وليس لأصحاب المصالح الخاصة، لأنها نفط الهواء في اي دولة ومصدر جوهري لاقتصاد الوطن. رغم اتساع تطوره لم يساهم بعد بشكل فاعل في اقتصاد البلد.
ان الموازنة اليوم في لبنان تقوم على 37,88 في المئة من الموازنة لبند الرواتب ومكملات الرواتب بين العاملين والمتقاعدين، و33,5 بالمئة لخدمة الدين العام اي 77 بالمئة من الموازنة. وللاسف الحكومات المتعاقبة بما فيها هذه الحكومة رغم صدور قانون في موازنة العام 2017 بوقف التوظيف تم توظيف 4500 شخص بين اجهزة عسكرية وامنية وادارات مختلفة، وبالتالي لم نحترم القانون وارتفع في بعض القطاعات الى 26 الف موظف، لنكون امام انفجار اقتصادي.
نحن دفعنا 2100 مليار ليرة في السنة الماضية عجز الكهرباء، ومن المتوقع مع ازدياد اسعار الفيول ان نصل الى حدود 2600 مليار ليرة واذا ما اضيف اليهم تكلفة معامل مثل البواخر سنزيد ايضا حوالي 500 مليار من العجز، لأننا بلدا نبيع الكهرباء بأقل من ثلث الكلفة الحقيقية، وهذا لا يستفيد منه سوى المافيات”.
أضاف: “نحن بحاجة الى رفع معدلات النمو الاقتصادي، وهو مدار نقاش في رئاسة الحكومة وفي التحضير لمؤتمر باريس 4، لأن المشاريع المطروحة حوالي 17 مليار دولار هي قروض وعلينا ان نركز على رسم اولويات واضحة لهذه المشاريع لتطلق عجلة النمو الاقتصادي وتخلق انجازات. امامنا فرصة للنمو ولنخفف العجز وإلا سنزيد العبء على واقعنا. يجب ان نقر بخطة عمل استراتيجية تحدد فيها مراحل قريبة الامد، وإلا سوف نبقى نستهلك انفسنا وامكانياتنا، والامر ليس مستحيلا. من الصحيح اننا امام تحديات كبرى، لكن اذا ما خلصت النوايا واذا ما كان هناك سياسة حقيقية، باستطاعتنا ان نحقق انجازات ونضع حدا لارتفاع المديونية العامة من خلال ضبط الانفاق ومراجعة الاساليب التي تساهم في خفض الدين العام والالتزام بالقوانين التي أقرت والتي تمنع الانفلاش في التوظيف والجدية في قطاع الكهرباء والاهم هو مستوى الهدر والفساد في هذه الدولة.

انا مسؤول كغيري عن شريحة من قطاعات الدولة واعترف ان قسما كبيرا من الاموال التي تنفق في الدولة تذهب هدرا، وهناك الكثير من الجبايات للدولة تذهب هدرا نتيجة الفساد المستشري، ويجب اتخاذ اجراءات جذرية حقيقية فلا يعقل ان تبقى مؤسسات التفتيش والرقابة في الدولة مرهونة الى الارادة السياسية”.

ختاما تحدث رئيس الرابطة الدكتور مكرم امين بو نصار وقدم درع الرابطة للوزير خليل.

(الأنباء)