النجوم

توفيق نصر الدين

نراها في السماء نقاطاً بيضاء ذات ضوء خفيف يأتي من بعيد، وهي تنتشر في كل الفضاء المنظور لنا كما نعتقد، كلها بيضاء اللون لكن ما هي بالحقيقة العلمية هذه النجوم؟

بالحقيقة هي متعددة الالوان اصفر, احمر وأزرق ويتضح ذلك من خلال الصور الفضائية التى نراها عن طريق مشاهدتها بالتلسكوبات، وهي نجوم ونجوم شمسية كثيرة ومتعددة الاحجام والابعاد. فأكبر من الشمس في مجرتنا درب التبانة هناك نجم اخر يدعى “إتا كارينى” Eta Carinea)) وتسمى ايضاً فورامن وهي زرقاء اللون وتنتمي الى ثريات او كوكبات النجوم كارينى.

“بتلجوزي” (Betelgeuse) وهي اكبر بثلاثمائة مرة من نجم إتا كارينى وتنتمي الى كوكبات أوريون وهي ثاني أكبر نجم فيه، أما أكبرهم وهو وحش نجمي ويسمى بذلك لانه لا يمكن تصديق وصفه بسهولة لكبر حجمه وهو  كانيس مايوريس (VY Canis Majoris) وحجمه اكبر من حجم الشمس بترليون مرة، يعني الف الف مليون مرة.

الشمس هي احدى تلك النجوم، تبعد 150 مليون كيلومتر 150,000,000 عن الارض وقطرها حوالي مليون كيلومتر.

كوكبة أوريون كانت تسمى كوكبة الجوزاء في التاريخ القديم وكانت مصدر إلهامات فلكية تنجيمية عند الشعوب والحضارات القديمة، ومصدر تباهي وتقليد، أي استحضار مشاعر القوة والفخر والبطولة في التنجيم الفلكي الذي كان مستخدماً عند تلك الحضارات، كاليونانية والمصرية وحضارة المايا في اميركا الجنوبية، مثل رمز المحارب الجبار في كوكبة الجوزاء، عبارة عن محارب  يلف حول خصره حزاماً، وهذا الرسم يتسجد في النجوم الستة في كوكبة ارويون” (Orion) الشهيرة التي ترسم بموقعها شكل ذاك المحارب.

في علم الفلك يقسم الكون بجغرافيا علمية وقياس رياضي اخذا بمعطيات عدة مثل شدة لمعان النجوم، موقعها، قربها من بعضها البعض او بعدها، تجمعاتها الكبيرة والصغيرة وهذا كله يمكن معرفته وتمييزه اكثر عن طريق مشاهدتنا للمجرات بالمقاريب والتلسكوبات،وهي تقسم الى ما يسمى بـكوكبات” (Constellation) وسدائم كـ “سديم راس الحصان” (Horsehead Nebula) و “سديم الشعلة” (Flame Nebula)  وغيرهما، وهناك ايضاَ المجموعات النجومية المتجمعة والمندثر منها من نجوم وكواكب.

تقسيمها يشبه علمياً تقسيم الدول في جغرافياتها وحدودها الى محافظات، عواصم، اقضية، مدن وقرى كبيرة وصغيرة واحياء. علمياً يتم دراستها اي تلك النجوم والمجرات بهذا الشكل وليس كما نراها بأعيينا المجردة خلال الليل مبعثرة في كل ارجاء الفلك من غير معنى. كوكبة ارويون هي واحدة من الكوكبات السماوية الثمانية والثمانين المعروفة عالمياً في معارف علم الفلك.

هذه النجوم منها ما يوجد منفرداً بطريقة معزولة، واخرى تتواجد بشكل مزودوج، اثنتان معاً تدوران الواحدة حول الاخرى، بلايين النجوم في مجرات مختلفة، الغيوم النجومية المكونة من غبار وغازات في داخلها تكون النجوم، ولكن ليس من السهل معرفة توالد النجوم وكيف تتولد في اللحظات الاولى من حياتها.

الجاذبية التي تشد ذرات غاز الهدروجين الى الغبار وتضغطهما في سحابة غبار لكي يدفعهم ذاك الضغط حتى اقصى حالات انسحاقهما داخل بعضهما البعض وتجزئهما بحيث تصل درجة حرارتهما الى “ثماني ملايين درجة مئوية” درجة مئوية وبهذا الشكل تنصهر الذرات والمادة ويبدأ تحت الضغظ والحرارة الهائليتين انصباب سوائل غازية وهذه العملية من ضغط الغاز والغبار الكوني بفعل الجاذبية في حيز ضيق جداً تبدأ وتستمر فيها لعدة سنوات ضوئية الانبعاثات الغازية الحرارية بكميات لا توصف لتأخذ شكل ما يسمىً حلزون قاصف للغاز يمتد ويتلولب افقياً بإنحناءات مختلفة. بهذه العلمية فقط وتحت تأثير عدة مئات الاف الملايين من الحرارات المئوية تنصهر الذرات ووتتولد النجوم وتتكاثف فيها الحرارة والضوء الذي يسير ويصل الى أعيننا قاطعاً مليارات المليارات من الكيلومترات.

أضواء تلك النجوم, رغم ان سرعة الضوء تصل الى  ثلاثماية الف كيلومتر في الثانية اي الضوء يلف الكرة الارضية بما يقارب السبع مرات في الثانية، تسير مئات، الالف، وملاييين وحتى مليارات السنين لكي تصل الينا والي نقاط واماكن اخرى في الكون.

ضوء النجم (Eta Carinae)  انبعث منها منذ ثمانية الاف سنة عندما بدأ الانسان في التاريخ يمارس الزراعة لأول مرة، وضوء النجم بتلجوزي (Betelguese) ما زال يسافر في رحلته في الكون منذ العام الذي اكتشف فيه كريستوف كولومبوس اميركا سنة 1492.

الطاقة التي تمنح الحرارة للنجوم هي ناتج لتصادم الذرات بين بعضها البعض. وكان العالم الفيزيائي الشهير “البرت اينشتاين”  قد شرح ذلك في نظريته الفزيائية الشهيرة، أي أن الطاقة المتكثفة والمرصوصة تنتج الذرات في الكون، والذرات عند اصطدامها ببعضها البعض وبفعل الضغط والحرارة تتبزلم Plasma form وتدخل في عملية حالة انصهار شديد.

من المفترض إن العلم يجب ان يعمل عن طريق النظريات العلمية الى دراسة عمليات الانصهار الذري تلك وتكريسها لخدمة الانسانية جمعاء، ولكن للأسف استعملت هذه المعرفة في الانظمة العسكرية الحربية عن الانصهار الذري في الماضي لصنع القنابل الذرية، وذلك في الحرب العالمية الثانية وكانت منهما تلك القنبلتان النوويتان اللتان استعملتا في الحرب العالمية الثانية ضد اليابان وأدت الى موت وتشويه مئات الاف الاشخاص.

المفاعل النووي الاندماجي “توكامك” (Tokamak) الموجود في مدينة اوكسفورد في المملكة المتحدة، مستوعب مغناطيسي، هو مصنع أنشىء لدراسة عملية الانصهار الذري في النجوم، وهو عبارة عن صهريج ممكنن بحقول التسخين الكهروحراري (Thermoelectircalpower) يتم تعبئته بما يسمى بالبلازما (البلازما- “الهيولى” او الغاز المتأين وهو الحالة الفيزيائية التي تكون فيها الالكترونات حارة جداً ومنفصلة عن نواة الذرة نفسها) على حرارة مرتفعة جداً، والبلازما هي إحدى حالات المادة، ليست حالة المادة الصلبة او السائلة أو الغازية، إنما حالة تهجن بين الثلاث معاً اذ صح التعبير .

إن الانصهار النووي داخل مستوعب التوكامك يستمر فقط لحالة من الوقت لا تزيد عن أجزاء من الثانية، بينما النجوم يستمر فيها الانصهار والانفجارات النووية لمليارات السنينن، وتنتج بالمقابل حرارة وضوءاً  لمليارات السنين، كما هو الحال مع شمسنا التي من المقدر لها ان تموت بعض ان تفرغ كل غازاتها ومعادنها بعد خمس مليارات سنة، تموت بمعنى انها ستفرغ شحناتها الحرارية من غازات وذرات وتنطفئ.

داخل صهريج التوكامك ذرات غاز الهيدروجين تتنافر فيما بينها، والتوتامك لكي يجعل تلك الذرات تتصادم مع بعضها البعض يقوم بتوليد حرارة تصل الى مئة وستين مليون درجة مئوية، وبفعل الانصهار النووي للهيدروجين يتولد غاز “الهليوم”  والطاقة. وغاز الهليوم والازوت مع الاوكسيجين والهدروجين موجودين في الغلاف الجوي لكوكبنا الارض.

هذه الظروف الفيزيائية المبرمجة داخل توكامك هي نفسها الظروف التي تؤدي الى عملية خلق النجوم التي نراها في ارجاء الكون  والتي تطفي حرارة وانسجاماً على حواسنا عندما نشاهدنا في أمسياتنا الصيفية الجميلة، بيضاء اللون، صغيرة وبعيدة، لكن هي بالحقيقة لها اكثر من لون وتبعد عنا مليارات ثم مليارات المليارات من الكيلومترات وحجمها او قطرها يصل الى الاف الاف مليونات الكيلومترات، وأن كل ذرة في أجسامنا هي أتية من النجوم، وبالحقيقة يصح القول إن النجوم هي امنا الاصل من حيث عناصر تكوين الحياة، وبعدها تأتي أمنا البويولوجية التي تلدنا، جمال روعة الخلق والتكوين.

خلاصة ما قيل هو إن الماكينة التي تصنع النجوم بالحقيقة هي الجاذبية نفسها، التي تحدثت عنها قليلاً في المقالات السابقة وسوف نأتي على ذكرها بتفاصيل أكثر في المستقبل.

الارض يصل قطرها الى حوالي ال 12,800 كيلومتر، والطائرات في عصرنا هذا تطير ساعات لكي تبلغ اصقاعها، أترك الامر الى مخيلتكم الكريمة تصور مدى عظمة هذا الكون بذراته وبمئات مليارات مجراته ومليارات مليارات نجومه ومسافاته وكم يتطلب من الازمنة للسفر ولزيارتها أذ صح المستحيل يوماً.

*مترجم، باحث وناشر مستقل