قصة مؤثرة تجتاح المشاهدين بين الخليج وأميركا

“إذا أردت أن تزرع لسنة فازرع قمحاً، وإذا أردت أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرةً، أما إذا أردت أن تزرع لمئة سنة فازرع إنساناً”. (مثل صيني)

زوج وزوجته… سوريّا الجنسية… قاسوا ما قاساه جزء كبير من شعبنا في سوريا… تزوجا عن حبّ بعد قصة عاصفة وذهبت بهم الليالي والأيام حتّى اسْتَقَرّا في دبي… وكان الطفل الجميل ثمرة حبّهما بعد عامين من زواجهم… ورأوا كل الدنيا من خلال عيونه، وضحكا لكل العالم من خلال حركاته، ونسوا كل أحزانهم من خلال ضحكات “أحمد”، ومرّت السنتان كالحلم الجميل… العمل ماشي والطفل سعادتهم اليوميّة واختصار تجربة الألم والعذاب والفرح والسعادة والترحال وأصوات الحرب السورية المجنونة كلها تجمعت وتراكمت واختصرها الطفل الجميل “أحمد” فلا مكان من جديد للألم والعذاب بل أنشودة حب يوميّة يبعث الدفئ فيها كل لحظة كل ساعة كل يوم “أحمد”…

وبعد أن أصبح عمر “أحمد” سنتان كانت المفاجأة الصاعقة التي لم يحسبا لها حساباً “سمير” وزوجته “هنادي” أن اللون الأصفر بدأ يجتاح طفلهما الصغير الجميل وخاصة عيونه وذبلت حركاته حتى انتقل الحلم الجميل بين ليلة وضحاها إلى كابوس ألم وعذاب للوالدين وللطفل وهو مرض يصيب الكبد عند الأطفال. ومن سخافة القدر بعض الأحيان أن يكون هذا المرض نادراً إلى درجة أن بين كل مليون طفل هناك طفل واحد في العالم يصاب به… وكانت ليالي العذاب تؤرق العائلة الجميلة… وكان الرأي الذي هدّها أن الطفل بحاجة إلى زراعة كبد وهي عملية ضخمة تحتاج إلى مئات الألوف من الدولارات وليس عشرات الألوف وكان موقف رائع لحكومة الإمارات باحتضان الموضوع المادي ولكن تبقى أزمة إيجاد جزء من كبد إنسان كبير يتبرّع للطفل به واندفع الأب وتبرّع بجزء من كبده وطلبت العائلة السورية فيزا إلى أميركا على أساس أن مثل هذه العملية لا مكان لتحقيقها إلا في مستشفى متخصص في “أوهايو” يقصده العالم كله لندرة المرض… وأتت الفيزا الأميركية لكل من الأم وطفلها ولم تأت فيزا الزوج وطال العذاب من جديد فذهبت الأم وطفلها وسافروا إلى أميركا للترتيبات الأولى في المستشفى علّ الأب يلحق بهما عندما تأتي الفيزا وكأن الشعب السوري علّة على الأميركان ووصلت العائلة إلى أميركا إلى المستشفى وطال الانتظار للأب والابن يصارع الموت والفيزا لم تأت والجزء الأساسي من كبد الوالد لم يأتي فكان الصراع في المستشفى بين الحياة والموت… وكانت المفاجأة القنبلة عندما راجعت إدارة المستشفى سجلات المرضى لديها والمتبرعين بجزء من أجسامهم ورد اسم إحدى المتبرعات بجزء من كبدها حاولت تقديمه إلى صديقة أميركية مثلها ولم تتم هذه العملية فبقي كبدها كاملاً واتصلت بها إدارة المستشفى إذا كانت على استعداد كامل للتبرع من جديد فكان الجواب الإنساني الرائع الحامل لأسمى معاني الإنسانية نعم أنا على استعداد ولم تسأل السيدة الأميركية “ماري” جنسية الطفل ولا عن لونه ولا عن دينه ولا عن مذهبه ولا عن حزب أهله ولا عن كل خصائصه بل كل ما يعني لها هو “الإنسان” وفقط “إنقاذ إنسان”.

وتمّت العملية بنجاح رائع وبدأ الطفل يتعافى ويعود لونه كما كان وعاد فرحةً ونشيدَ سعادةٍ يومي بعد معاناة كبيرة وعادت له حركاته وابتساماته فعادت الروح لأهله، أما الأميركية الرائعة قمة الإنسانية فإنها خضعت لعدة عمليات خفيفة في المستشفى بعد أن قدمت جزءاً من كبدها للطفل…

وكان مشهد هزّ أميركا والخليج في برنامج تلفزيوني عندما جمع هذا البرنامج عائلة الطفل والطفل والسيدة الأميركية وعندما غمرت “ماري” “أحمد” وسألوها عن مشاعرها تجاهه فقالت “فرح الكون نسبة إليّ أختصره إنقاذ هذا الطفل” وكانت أسارير وجهها تعبّر بشكل لا يستطيع أي إنسان نسيان تلك اللحظات… والطفل “أحمد” قال لها أمام ملايين العالم بإنكليزية ضعيفة علّموه بعض كلماتها القادر على لقظها “I miss you”… وتدحرج الدمع مدراراً من عيون كل المشاركين في البرنامج… انتهت القصة…

والعبرة كل العبرة تتلخص بأن الإنسان أخ الإنسان مهما اختلف اللون والجنس والدين وهذه الأرض لي ولك يا أخي وفيها المتّسع للجميع… وكم كان الفيلسوف “كانت” على حق عندما قال: “الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يمكن أن نَسْنِدَ إليه قيمة مطلقة هي الكرامة”…

هذه السيدة الأميركية على قدر ما كانت إنسانة كانت ذات صفة وقيمة مطلقة هي “الكرامة” كرامة الذين ضحّت من أجلهم وتواضعت أمام ملايين الدنيا عندما انحنت وقبّلت يَدَ الطفل الذي أنقذته وأعادته إلى الحياة… ودموع الأب والأم انقلبت إلى شلال فرح وشعروا بطريقة عملية أن الإنسان أخ للإنسان…

وكم كان رائعاً ذلك الشاعر الذي قال:
إذا كان أصلي من تراب فَكُلُّها
بـلادي، وكل العالمين أقاربي

*رئيس جمعية طبيعة بلا حدود