معضلات الكهرباء../ بقلم مروان اسكندر

تبدو جميع التحديات التي يشير اليها العنوان وكأنها معضلات غير قابلة للحل والواقع ان المعضلات الثلاث الاولى اصبحت محلولة في محيط لبنان، وهي كذلك في الاردن، واسرائيل، والامارات العربية المتحدة، والكويت ومصر التي رزحت تحت وطأة استهلاك بسرعة فائقة وعجز الامدادات الكهربائية تغلبت على تحديات توافر الغاز وتوفير الكهرباء خلال سنتين، وستكون دولة مصدرة للغاز الطبيعي والغاز المسيل خلال سنة لان اكتشافات الغاز في مياهها الاقليمية تطورت بسرعة كبيرة وطاقة انتاج الكهرباء ازدادت بـ35000 ميغاوات خلال سنتين، اي عشرة اضعاف ما نحتاجه، وما هو متوافر نظريًا من المعامل العاملة، والسفينتين والمولدات الخاصة.

ان هذا المقال يتناول فقط بعض جوانب معضلة الكهرباء لان البحث في المعضلات الاربعة يحتاج الى انجاز كتاب  يجب تأمينه لمليون لبناني ولبنانية من اجل تعميم الادراك للفشل الذريع لدى الحكم وبصورة خاصة خلال الفترة التي تلت اغتيال رفيق الحريري منذ 13 سنة يوم 14 شباط 2005.

عام 1927 حينما كان لبنان يدار من قبل الفرنسيين بتكليف من عصبة الامم المتحدة كان هنالك كهرباء في لبنان، وقد استمر تطوير الكهرباء بوتيرة تغطي الحاجات المتزايدة حتى عام 1975 لان شؤون الكهرباء كانت تدار من فرقاء مقتدرين تولوا الاشراف على تأمين التيار الكهربائي من مناصبهم القيادية في مصلحة كهرباء لبنان، ومن هؤلاء المرحوم سليم لحود والاخوين البزري.

مشاكل تأمين الكهرباء بدأت تظهر بقوة مع توسع حلقات الاقتتال وتدمير بعض القرى والانتقال لجماعات لبنانية من قراها الى مناطق سكن جديدة، وتعاظم موجات البناء التعويضي وتباعد فرق التعاون ما بين المناطق، فانتشرت المولدات الخاصة على شرفات المنازل، وفي كاراجات الابنية الحديثة ولم يستعاد نفس اصلاح اوضاع الكهرباء الا مع تشكيل حكومة الرئيس رفيق الحريري اواخر عام 1992.

منذ عام 1993 وضع برنامج لانجاز معامل بطاقة 480 ميغاوات في البداوي على مقربة من طرابلس وآخر في الزهراني بطاقة مماثلة ومعملين بطاقة 80 ميغاوات لكل منهما في بعلبك وصور.

5556

اوائل القرن الواحد والعشرين كانت الكهرباء متوافرة لغالبية اللبنانيين وكان الرئيس الحريري يسعى من اجل تخفيض كلفة استيراد المازوت لتشغيل محطتي البداوي والزهراني، تأمين الغاز للمعملين الامر الذي يخفض كلفة استهلاك اللقيم الى ما لا يزيد عن 30 في المئة من كلفة تأمين المازوت. ورغم العراقيل التي وضعت في وجه مساعي الرئيس الحريري، خاصة وان سوريا كانت باشرت بيع لبنان كميات ملحوظة من الكهرباء، توصل الى تحفيز سوريا، والاردن، ومصر على اتفاق لاستيراد الغاز من مصر وهذا ما حصل خلال سنة 2004 وبضعة اشهر من عام 2005.

وبعد اغتيال الرئيس الحريري اوقف السوريون امدادت الغاز المصري الى لبنان استنادًا الى الادعاء بان حاجاتهم تفرض استهلاك كميات الغاز التي يتم ضخها الى لبنان، والسبب الوحيد كان توجيه الاتهامات الى الحكم السوري باغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2005.

قبل نهاية عام 2005 كانت مشاكل الكهرباء على تعاظم واصبحنا نشهد استيراد مولدات كبيرة لمؤسسات صناعية وللمستشفيات والمدارس والابنية الشاهقة التي كانت تنجز ودون كهرباء لا يستطيع اهلها الوصول بسهولة لشقق سكنهم، واصبحت ادارة الكهرباء في ايدي الوزراء المتعاقبين على وزارة الطاقة والمياه والمدير العام كمال الحايك، وتعاظمت السرقات على الخطوط، وتردت جهود تحصيل المستحقات من المستهلكين وتنوعت امكانات التهرب، سواء عن سبيل العبث بالعدادات او تغاضي المحصلين والمياومين عن تقييد الاستهلاك الحقيقي واعمال تجديد خطوط النقل تعثرت، ولم يكن هنالك برنامج متكامل لمعالجة قضايا الكهرباء.

الخطة الاصلاحية وضعت بإشراف الوزير جبران باسيل عام 2010 وتم اعتمادها تشريعيًا عام 2011 وقد لحظت زيادة طاقة الانتاج ب750 ميغاوات، وانجاز اصلاحات الشبكة وازالة التعديات، واختيار اعضاء مجلس ادارة جديد والتوجه نحو استعمال الغاز كلقيم وانجاز محطات تحويل في مناطق متعددة، وفرض القانون على الوزير اجراء مزايدات شفافة والاستعانة بالتمويل من الصناديق العربية والدولية، وتأليف الهيئة الناظمة الكهرباء واعطي مخصصات توازي 1.2 مليار دولار.

الحصيلة كانت انجاز تلزيم لمحطة جديدة في البداوي بطاقة 480 ميغاوات عام 2013، ولا زال العمل على تحقيق اي خطوة متوقف لخلاف غريب حول استحقاق الضريبة المضافة على العقد، وكانت قد استثنيت من العقد، لان اي وزارة تدفع ضريبة مضافة على عقد، تنتهي مدفوعاتها لدى وزارة المال، واليوم نواجه ملاحقة قانونية في المحاكم الدولية لان الوزارة لم تؤمن امكانية تنفيذ العقد.

انجازات الوزراء المتعاقبين على وزارة الطاقة والمياه منذ عام 2010 تختصر بالتالي:

– زيادة طاقة معمل الذوق ب170 ميغاوات لقاء اكلاف تتراوح حول 200 مليون دولار. وعلى الاغلب انخفضت طاقة انتاج معمل الجية الذي كان يفترض استفادته من هذا البرنامج بما يماثل الاستفادة من الطاقة المستحدثة في الذوق.

– انجاز محطات تحويل في زحلة، والضاحية، وبيروت وطرابلس.

– استئجار باخرتين لانتاج 270 ميغاوات.

– اصلاحات جزئية للشبكة المهترئة دون تحسين يذكر وعجز عن اتمام وصلة المنصورية التي يفترض ان تحسن التوزيع الكهربائي من المصانع القائمة والسفينتين بنسبة 10 في المئة.

بقيت المشاكل العالقة هي هي :

– شبكة مهترئة تؤدي الى خسارة تقنية على مستوى 15 في المئة.

– سرقات واضحة ومستمرة تؤدي الى خسارة 20 في المئة من الانتاج الذي يجري توزيعه.

– تمنع عن تسديد نسبة 15 في المئة من الفواتير، وهذا التمنع يشمل مؤسسات للدولة ونواب ووزراء الخ.

– تحصيل فعلي بقيمة 650 مليون دولار سنويًا مقابل اكلاف لمصلحة كهرباء لبنان تبلغ 2.8 مليار دولار الامر الذي يعني ان استمرار الوضع اصبح بمثابة استمرار شركة مفلسة تدفع الدولة لاستمرارها 2-2.2 مليار دولار سنويًا تمثل 50 في المئة من عجز الموازنة.

-تأخير تنفيذ مشروع لتطوير وزيادة انتاج معمل قاديشا من 150 ميغاوات الى 230 ميغاوات من قبل فريق من اهل طرابلس مؤلف من 12 مستثمرًا يتعهدون بعد تملك الامتياز انجاز الاعمال وفتح مجال الاستثمار للبنانيين عمومًا، وحظي المشروع ودراساته بموافقة الوزير وبحماسة رئيس الجمهورية منذ سنة و45 يومًا دون ان يطلق المشروع.

انجاز المحطة وتحويلها الى القطاع الخاص كان سيؤمن الكهرباء مقابل 16 سنتًا للكيلووات ساعة في حين كلفة انتاج المعامل القائمة والعاملة بما فيها السفينتين القائمتين تبلغ 23.5 سنت للكيلووات ساعة، وحيث الخسارة على الخطوط لاسباب معددة تبلغ 50 في المئة تكون كلفة الكيلووات ساعة المفوتر 35 سنتًا والرسوم لم تتغير منذ سنوات. محطة قاديشا لو جهزت خلال العام 2017 كانت وفرت على الحكومة 306 ملايين دولار من الدعم ومبلغ مماثل على عجز ميزان المدفوعات.

باختصار كلي مصلحة كهرباء لبنان مفلسة، واستمرار عملها دون انضباط يلقي اثقالاً على لبنان تناهز منذ 2005 نسبة 42 في المئة من الدين العام، واصلاح اوضاع الكهرباء هو مفتاح الحصول على مساعدات واستثمارات تسعى السلطات لتأمينها، وكما قال وليد جنبلاط، السياسي المتعمق في القراءة والتحليل – الكهرباء بادراتها وعجزها المالي هي العلة الاساسية التي يجب التغلب عليها اذا شئنا التقدم.

(*) القيت في مؤتمر الحزب التقدمي الإشتراكي بعنوان “نحو رؤية إصلاحية علمية لقطاع الكهرباء” بتاريخ 17 شباط 2018 في فندق الريفييرا- بيروت.