ولماذا الإنتخابات؟!

د. صلاح ابو الحسن

لا أدري لماذا كل هذا الضجيج والتساؤلات حول مصير ونتائج الإنتخابات النيابية، ولماذا كل هذا القلق، والأسئلة من نوع: هل ستجري الإنتخابات في موعدها؟ وهل تُطيّر او تُؤجل او تُمدد؟ بفعل عمل امني او إعتداء اسرائيلي؟ هل البلوك 9 يضرب استحقاق 6 ايار؟ هل ازمة تركيب لوائح المرشحين وعقد التحالفات تؤدي الى التأجيل؟ هل “الغموض البنّاء” للنتائج عند جميع القوى السياسية تقتضي التأجيل؟؟

“الغموض البنّاء” الاميركي أدّى الى حروب المئة عام في الشرق الأوسط، لذلك فالغموض البنّاء في القانون الإنتخابي هو نذير شؤم بالنسبة للبنانيين.

كم هي كثيرة ومربكة هذه الـ”هل”، فنظرية التأجيل او الخسارة دائمة في السياسة اللبنانية. الساسة اللبنانيون خلاّقين وشطّار ومبدعين في اختراع المفردات، يعتمدون مصطلح “لمرة واحدة فقط” فيتحول الى مرات عديدة، يُغرقون ادارات الدولة بالموظفين “المؤقتين” فيُمسي المؤقت “دائما”.. ويمددون للمجلس النيابي لمرة واحدة فقط فتتعدد “المرات” وكل هذا تحت شعار “مقتضيات الوفاق الوطني” وهكذا يُنتهك الدسستور تحت هذا الشعار. رحم الله الرئيس فؤاد شهاب الذي كان يقول لكل من يحاول خرق الدستور: لنرى ماذا يقول “الكتاب” اي الدستور الذي يزين مكتبه في “القصر”. يومها لم يكن الدستور “وجهة نظر”.

اعتمدوا لكل حكومة اسما، حكومة الإئتلاف الوطني، حكومة الإتحاد الوطني، حكومة الخلاص الوطني، حكومة الإنقاذ الوطني الخ.. كلها وطنية، لكن ولا حكومة منها كانت مطابقة لإسمها ولمواصفات بيانها الوزاري، شانها شأن نشرات الأحوال الجوية. أعطوا لكل “عاصفة” اسما وهوية، ولا عاصفة صدقت. والأسماء غالبا تتناقض مع حاملها.

ويبقى التأجيل هو الأسهل في بلد مثل لبنان، فتصريح او زلّة لسان او “بهورة” او فيديو مسرّب او “غزوة”، كافية ووافية لهزّ الإستقرار السياسي والإقتصادي والأمني. انه بلد الغرائب والعجائب الواقف على “سوس ونقط” او على “شوار” منذ حوالي ثلاثين سنة.

لكن كل هذه “التساؤلات” على كثرتها ليست هي بيت القصيد.. سنوات طويلة ونحن نحلم بالقضاء على الفساد في إدارات الدولة ومؤسساتها، نحلم ببلد ” طبيعي”. اقلعنا منذ زمن بعيد عن تسميته “سويسرا الشرق”، او لؤلؤة المتوسط، بتنا نريده بلدا “طبيعيا” مثل كل دول العالم الثالث فيه ماء وكهرباء وطرقات آمنة وضمان صحي واجتماعي وضمان شيخوخة ومدرسة رسمية وجامعة وطنية، وسلطة قضائية مستقلة، وفيه نقل مشترك وفرص عمل. لنكتشف لاحقاً ان “الفساد” الحقيقي والأهم والأدهى هو في بنية الدولة الغائبة والمتخلية عن اداء دورها.

مع استقالة الدولة لا يعود ينفع “الكي”، ولا يعود للديمقراطية ولا للإنتخابات النيابية اي معنى طالما الدولة “مخطوفة” و”مصادرة”. الدولة التي فيها جيشان وحكومتها حكومتان وشبكتا هاتف، واحدة شرعية متخلفة، وأخرى غير شرعية متطورة، وفيها فيتوات “معطلة” او “ضامنة”، ودستورها “وجهة نظر” ووزراء ممثلين لمذاهبهم، كما هي حال وزارة الخارجية مثلا، وغيرها من الوزارات، اليس كل هذا هو “الفساد الأكبر”؟؟
لماذا هدر الأموال على الإنتخابات والبطاقة “البيومترية” طالما ان النتائج لا تُحترم؟؟ وكلنا يعرف ان مبدأ القوة والأمر الواقع هما الأساس لا صناديق الإقتراع، وهذا يعني أنها انتخابات بناخبين صوريين. فلماذا هذا التسابق للحصول على كتل نيابية وازنة، طالما ان الحكومة لا تتشكّل على قاعدة أكثرية تحكم وأقلية تعارض، والكل يعرف مسبقا ان لا قيمة للوزن النيابي طالما الدولة “مخطوفة”،.. وعند مرض الدولة يكثر “السلاخين” فكيف اذا كانت الدولة الشرعية مغيبة ومستقيلة بل “متحللة” وتتآكلها الدويلات؟؟.

مع استقالة الدولة فان بعض من سيدخل جنة الحكم من شباب المجتمع المدني قد يذوب في الأكثرية الفاسدة، اذ لم يكونوا متسلحين ومتمرسين بثقافة سياسية عالية.

كهول السياسة في لبنان قد يبتلعون بعض الشباب، فالشباب غير المتمرسين بالأخلاق والمبادىء السياسية والوعي، إما يدخلون “جنة” الفساد، او تبتلعهم حيتان المال او كبريات المحادل السياسية القادرة على سحل بطولة الشباب.

اما النسبية المشوهة التي اعتٌمدت في قانون الإنتخابات الهجين فانها ستعطي نتائج مشوهة حتى لمخترعي ومفبركي القانون، وهم سيحصدون زرعهم..

الشباب فعلا اصابهم الملل والقرف من شيوخ السياسة ومن سياسات “اهل الكهف” وملّوا عبادة الأصنام. في العالم “ابو الهول” واحد، يربض في “جيزة” القاهرة، في لبنان عندنا أكثر من مائة “ابي الهول” مسمّرين على كراسي مجلس النواب ولا يزحزحهم الا “الكفن” فما اكثر اصنامنا وما أكثر عبدة الأصنام..

مشكلتنا ان الأصنام العملاقة تحرسها اصنام صغيرة، حتى الأصنام العربية بدأت تتكاثر وتتوالد شأنها شأن الديناصورات. ففي عالم السياسة الديناصورت لم تنقرض بعد، فهل من امكانية لتحديد النسل أو اختراع دواء منع الحمل لهؤلاء؟!

المطلوب اليوم شباب مثقفين أكفاء عصريين ومجددين، لا متعلمين وتكنوقراط منظرين فقط، لأن روما من فوق غير روما من تحت. ولنرفع شعار “لا صوت يعلو صوت الشباب المثقف”، ولا تنسوا أصولكم السياسية والثقافية والشعبية وكونوا اوفياء لمبادئكم وقفوا الى جانب الفقراء والفلاحين والعمال والمزارعين والمقهورين وكل الذين ليس على صدرهم قميص..

وأقول لكل الشباب والناخبين: انتخبوا من يمثلكم فكريا وسياسيا وأخلاقيا، ففي الندوة النيابية غابة من الديناصورات السياسة، وفي الغابة لا مكان للحمائم بين الوحوش، والغابة ملأى بالذئاب المفترسة والجائعة، وليكن لحمكم “مرّا” لا يُنهش بسهولة…

ايها الشباب المثقف والملتزم: “ادفنوا اصنامكم وانهضوا”…

واذا كنتم تريدون التغيير فعلا، فعليكم اولا دفن عصبياتكم وطائفيتكم، واذا خُيرتم بين حزبكم وضميركم فاختاروا ضميركم.. بعدما بدأ الضمير الوطني يتآكل ويتلاشى.

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم د. صلاح ابو الحسن

“الدروز” الى أين؟؟!!

هل “هزة” حماة وحلب تُبدل قواعد اللعبة

الى رفاقنا وأهلنا وأصدقائنا في المتن الأعلى “تجربتكم مع هادي سبقت نيابته”

ترامب ومصير الإنتخابات

الناخب بين “الحاصل” و”المحصول”

قانون الإنتخاب “الإلغائي” و”شفافية” التزوير..

لا تصدّقوا وعود الإنتخابات

لا تستخفوا بالمعترضين

بعد الغوطة.. الإرهاب أرحم

انقلب باسيل على تفاهم مار مخايل.. وقضي الأمر!!

هكذا صهر يُعفي العهد من الأعداء

مصائر الديكتاتوريات متشابهة!

بين نداء الحريري ونداء “صاحب الزمان”!!

ما أحوجنا اليك

وأخيرا… “طفح الكيل”!

“كأنه حُكم على اللبنانيين أن يحكمهم دائما الجهال”..

رسالتي الى الرفيق تيمور

إنتصار “الأوهام” الكاذبة!

صنّاع الإرهاب هم صنّاع تقسيم سوريا!

حقيقة تؤلمك خير من كذبة ترضيك