قواعد اشتباك جديدة اقليمياً… فهل الانتخابات بخطر؟

بإسقاط طائرة الـ”إف16″ الاسرائيلية دخل لبنان والمنطقة في مرحلة قواعد اشتباك جديدة، باتت معها الاوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات، ما يجعل مصير الانتخابات النيابية موضع تساؤل، خصوصا وان كثيرين يتخوفون اصلا من تأجيلها الذي يتمناه اطراف سياسيون يجدون انفسهم متضررين من قانون الانتخاب الجديد القائم على النظام النسبي لانه قد لايمكنّهم من الفوز، واذا فازوا فقد لا يفوزون بما يطمحون اليه من مقاعد نيابية او من أكثرية نيابية تمكنهم من الاستحواذ على السلطة الجديدة التي ستنبثق من الانتخابات.

ويرى فريق من السياسيين ان التطور العسكري الجديد على الجبهة السورية والذي تأثر به الوضوع اللبناني سياسيا وعسكريا سيفضي في المدى المنظور الى لجوء اسرائيل الى احد الخيارين:

ـ الأول، اندفاع اسرائيل أكثر في اتجاه خوض الحرب الجديدة التي تخطط لها ضد حزب الله منذ حرب 2006 آخذة من انتقال النظام السوري من مرحلة الاحتفاظ بحق الرد، الى مرحلة الرد المباشر والتلقائي على اي هجوم مثلما حصل قبل يومين ونتج منه اسقاط الطائرة الاسرائيلية فوق الجليل الاعلى.

وهذا الخيار اذا ما لجأت اليه اسرائيل من الآن حتى ايار المقبل سيؤدي حتما الى تأجيل الانتخابات في لبنان، بل ربما ادى الى حرب في المنطقة، وأقله على الجبهتين السورية واللبنانية سيتحدد على نتائجها مصير المنطقة برمتها، خصوصا ان المشروع الحربي الاسرائيلي يقوم على نظرية ان اسرائيل باتت لا تستطيع تحمل تعاظم قدرات حزب الله الصاروخية والقتالية يوميا وما تشكله من خطر وجودي عليها، وذلك في ضوء ما راكمه ويراكمه من خبرات ومخزون صاروخي منذ ما قبل تدخله في الحرب السورية والعراقية واليمنية وغيرها. ويقول البعض ان اسرائيل نالت الضوء الاخضر السياسي الاميركي لخوض هذه الحرب منذ زيارة جاريد كوشنر صهر الرئيس دونالد ترامب لإسرائيل والمنطقة قبل بضعة اشهر، وانها تنتظر الضوء الاخضر الاميركي التقني، وهو الجسر الجوي الاميركي الذي يزودها بالاسلحة والذخائر التي تتطلبها الحرب. ودلّ الى ذلك ان واشنطن وقفت الى جانب اسرائيل في المواجهة الاخيرة وحضّتها على الاستمرار في التصعيد فيما كانت تل ابيب في الوقت نفسه تطلب من موسكو التدخل لدى النظام السوري وحلفائه الايرانيين وغيرهم لوقف التصعيد الذي لا تريد هي الاستمرار فيه.

ـ الخيار الثاني، هو الاستمرار في شن هجمات موضعية على اهداف في سوريا ترى فيها إسرائيل ما يهدد امنها، ولكن هذه الهجمات ستكون محسوبة بدقة، إذ بعد اسقاط طائرة الـ”إف 16″، وما يعني من ان الطائرات والصواريخ الاسرائيلية لن تكون طليقة الحركة في الاجواء السورية، وربما في الاجواء اللبنانية. حيث اعلن حزب الله انه سيكون الى جانب سوريا في مواجهة اي هجمات إسرائيلية جديدة، خصوصا ان اسرائيل تعلن عند هذه الهجمات انها تستهدف قوافل أو مواقع للحزب، ثابتة او متحركة، على الاراضي السورية.

ويقول البعض ان ما حصل سيؤخر الحرب الاسرائيلية المقبلة على الجبهتين السورية واللبنانية التي تحدث عنها أخيراً وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان، الى فترة غير قصيرة، وان الهجمات الاسرائيلية على الاراضي السورية ستتراجع الى درجة كبيرة، ما سيمنع اي خطر مباشر يهدد بتأجيل الانتخابات في لبنان، بحيث يتم إمرار هذا الاستحقاق الدستوري اللبناني للعبور بالبلاد الى سلطة جديدة.

ويرى بعض السياسيين ايضا ان هناك فريقاً من المسؤولين الاسرائيليين لا يؤيدون شن حرب جديدة، ويعتبرون ان كل ما حصل من “ربيع عربي” ادى الى تفكك غالبية الدول العربية ولا سيما منها الدول التي كانت ترى اسرائيل فيها خطرا عليها مثل سوريا والعراق ومصر، فضلا عن حرب اليمن التي تستنزف دول الخليج، بل ان هذا الفريق يرى ان ما حصل ابعد “الخطر العربي” عنها لعشرات السنيين لان العرب سينشغلون طويلا في خلافاتهم ونزاعاتهم عنها، في الوقت الذي عليها ان تنصرف لتعزيز قوتها وقدراتها وتحصين نفسها على كل المستويات ما يجعلها عصية على اي خطر يمكن ان يواجهها مستقبلاً، خصوصا اذا نجحت في تحقيق “صفقة العصر” التي تطمح اليها بدعم الولايات المتحدة الاميركية ورعايتها. ولذلك قد يكون صحيحا ما راج على هامش اسقاط طائرة الـ”إف 16″ فوق الجليل من ان رئيس الوزراء الاسرائيلي تعرّض للوم شديد اللهجة من “الدولة العميقة” الاسرائيلية التي شعرت ان ما حصل يعرض الدولة العبرية لحرب يعرف نتنياهو كيف يبدأها ولكنه لا يعرف كيف يوقفها. فالحرب إذا إندلعت هذه المرة لن تكون خاطفة ولن تكون محدودة، وانما ستكون حربا شاملة في المنطقة، على ما يتوقع كثيرون. وفي كل الحالات فإن مصير انتخابات لبنان بات مرهونا بقواعد الاشتباك الجديدة التي فرضها اسقاط طائرة الـ”إف 16″ الاسرائيلية.

*رانيه غانم- “الأنباء”