هل تُدخل حرب الصواريخ في سوريا المنطقة بحرب إقليمية؟

دخلت الحرب السورية مرحلة جديدة هذا الأسبوع، فالميدان السوري المشتعل لم يعد على ما كان عليه عشية انعقاد مؤتمر الآستانة الأول أواخر شهر كانون الثاني 2017، بعد انسحاب فصائل المعارضة من مدينة حلب وسيطرة النظام السوري وحلفائه عليها بدعم جوي وعسكري روسي، وتغاضي تركي، وصمت أميركي، وانشغال خليجي بحرب اليمن.

ولم تعد الحرب السورية اليوم كما كانت عليه عشية الدخول الروسي الى سوريا في أيلول 2015، لمنع سقوط النظام حيث كانت فصائل المعارضة تطرق أبواب دمشق لا بل تستعد للإمساك بمفاصلها الأساسية.

منذ اندلاعها في آذار 2011 ثورة سلمية ضد نظام حزب البعث ورئيسه بشار الأسد، وتحولها الى حرب أهلية داخلية بين جيش النظام والفصائل المنشقة عنه وبين المواطنين السوريين الأحرار وجيش النظام وفصائله الداعمة له، دارت الحرب السورية دوراتها ولم تنته بعد، فمنذ دخول حزب الله والفصائل المدعومة من إيران والحرس الثوري مطلع العام 2013 دفاعا عن النظام والمقدسات الشيعية، إلى القرار الأممي بنزع السلاح الكيماوي السوري في أيلول 2013 وتكفل روسيا الإشراف على تلك المهمة، إلى إعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” صيف 2014، إلى تشكيل تحالف دولي ضد “داعش” وايعاز الرئيس الأميركي باراك أوباما لطائرات التحالف قصف مواقع التنظيم في سوريا في أيلول 2014، إلى إعلان الرئيس فلاديمير بوتين الدخول الروسي الرسمي في الحرب السورية دفاعاً عن النظام السوري ومحاربة المنظمات الإرهابية في أيلول 2015، الى إعلان تركيا إطلاق عملية درع الفرات في آب 2016، إلى إعلان روسيا وبعض القوى الدولية الانتصار على “داعش” نهاية العام 2017، الى إطلاق تركيا عملية جديدة داخل الشمال السوري تحت عنوان “غصن الزيتون” في كانون الثاني 2018، دخلت الحروب السورية هذا الأسبوع منعطفاً جديداً هو الأخطر في مراحل تطور تلك الحرب ومساراتها، ليس بفعل المواجهة المباشرة بين سلاح الجو الإسرائيلي والدفاعات الجوية السورية التي اسقطت طائرة حربية إسرائيلية من نوع أف 16 الأميركية الصنع، إنما بفعل أنواع الصواريخ المختلفة القدرات المنتشرة في سوريا في ايدي قوات النظام وفصائل المعارضات المختلفة.

1280x960

مطلع الأسبوع الحالي في 3 شباط 2018 أعلنت القوات المسلحة التركية إن خمسة من جنودها قتلوا عندما تعرضت دبابتهم لهجوم نفذه مقاتلون من وحدات حماية الشعب الكردية في منطقة عفرين بشمال غرب سوريا. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن، أن لديه معلومات حول مصدر الصاروخ الذي أدى إلى مقتل خمسة من جنود بلاده لكنه اعتبر أنه من المبكر كشف اسم البلد الذي زوّد الصاروخ قائلاً: “لن يكون من الصواب إعلان ذلك قبل التوصل إلى خلاصة نهائية”. فيما اتهمت صحف مؤيدة للحكومة التركية بينها “يني شفق” و”يني آكيت” و”ستار” اليومية، الولايات المتحدة، بأنها زودت المقاتلين الأكراد الصاروخ الذي استُخدم في الهجوم، ما يمكن أن يشكل تصعيدا خطيرا.

في 4 شباط 2018 قالت وزارة الدفاع الروسية إنه بحسب المعلومات الأولية فقد تم إسقاط طائرة حربية روسية بصاروخ محمول مضاد للطائرات من نوع ستنغر في محافظة إدلب السورية، مشيرة إلى أن هذه الطائرة هي من طراز سو – 25، وأدى سقوطها إلى مقتل الطيار.

المخابرات العسكرية الروسية إضافة الى المخابرات الروسية الخارجية تفتش عن كيفية استلام جبهة النصرة للصاروخ الذي اسقط الطائرة الروسية وقتل طيارها، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يسكت عن الموضوع وسيتابع التفتيش عبر مخابراته العسكرية والخارجية عن مصدر صاروخ ستنغر الأميركي. وان الطيران الروسي اذا اكتشف الدولة الثالثة التي قامت بتسليم الصاروخ، سيقصف البلد الثالث الذي قام بتسليمه “للتكفيريين”.

sy

وتحاول موسكو معرفة الدولة الثالثة التي قد تكون سلمت الفصائل السورية هذه الأنواع من الصواريخ سيما وأن المخابرات الأميركية اكدت لموسكو ان الجيش الأميركي لم يقم بتزويد أي صاروخ من نوع ستنغر او صاروخ آخر الى أي من فصائل المعارضة السورية، وتبحث المخابرات الروسية ما اذا كانت العراق ام السعودية ام قطر هي من قام بهذا العمل، وهي الدول الثلاث الذي تملك صواريخ ستنغر ارض – جو يُحمل على الكتف، موسكو تستغرب سبب عدم تمكن جهاز التشويش الجوي لديها عدم كشفه الصاروخ قبل يوم من اطلاقه سيما وأنه يعتمد بتوجيهه على أجهزة الكترونية. ولعل هذا ما دفعها للانتقام بحرق إدلب بعشرات الطلعات الجوية والقصف الصاروخي الهستيري على مواقع المسلحين، وأعلن الكرملين أن فصائل النصرة في إدلب ليست خطرا على القوات الروسية في سوريا فحسب، بل يشكلون خطرا على الاستقرار في سوريا، وهذا ما أدى إلى رفض روسيا إصدار قرار في مجلس الأمن الدولي وقف إطلاق النار مدة شهر على الجبهات السورية.

فجر يوم السبت 10 شباط 2018، اعترف الجيش الإسرائيلي بإسقاط مقاتلة من طراز أف 16 إثر تعرضها لإطلاق نيران من داخل سوريا، وأعلن أن أحد الطيارين اللذين كانا على متنها أصيب بجراح خطيرة، كما أكد لاحقا أنه استهدف 12 موقعا تابعا للنظام السوري وإيران ردا على الحادثة.

ليست المرة الأولى التي تغير فيها الطائرات الإسرائيلية على مواقع عسكرية داخل الأراضي السورية، فمنذ انحصار سلطة الجيش السوري على الحدود مع إسرائيل لصالح فصائل المعارضة السورية حينا، ومسلحين حزب الله والميليشيات الإيرانية حيناً آخر، أبلغت إسرائيل كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، أنها لن تقبل بوجود أسلحة كاسرة للتوازن على حدودها مع لبنان لدى حزب الله أو على حدودها مع سوريا.

قبل يومين من المواجهة الإسرائيلية – السورية، نقل مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد ثلاث رسائل إلى لبنان، رسالتان قابلتان للتفاوض، أما الثلاثة قد تشعل حربا إقليمية، ساترفيلد الذي شغل منصب سفير دبلوماسي في بيروت إبان الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982، يعرف صراعات المنطقة وأزماتها عن كثب، نقلت عنه مصادر دبلوماسية موثوقة قوله للمسؤولين اللبنانيين، إن “إسرائيل تقبل بوساطة دولية عملية بناء الجدار الإسمنتي مع لبنان والنقاط المتنازع عليها ضمن الخط الأزرق، وتقبل بوساطة دولية لرسم الحدود البحرية بين الدولتين، وحق كل منهما في الحقل رقم 9 من حقول النفط والغاز، لكنها لن تقبل بامتلاك حزب الله صواريخ إيرانية بالستية، لا في لبنان ولا على الحدود السوريا مع إسرائيل، وإن هذا القرار لا تراكع عنه، وإنه سيشعل المنطقة بأسرها” .

وفي السياق، ذكرت المصادر أنه خلال محادثات الآستانة حول سوريا، التي رعتها الدول الثلاث (روسيا وتركيا وإيران) اشترطت إسرائيل لدى الولايات المتحدة الأميركية وروسيا بانسحاب القوات الإيرانية والفصائل الداعمة لها مسافة 40 كلم عن الحدود السوريا مع إسرائيل، وهذا ما طالبت به تركيا أيضا حين رفضت مشاركة قوات سوريا الديمقراطية الكردية في الحرب على داعش، اليوم تشعر تركيا بخطر الوجود التركي على حدودها وبخطر امتلاك هذه الفصائل صواريخ نوعية مضادة للدبابات، وبالتالي فإن العملية العسكرية “غصن الزيتون” التي بدأتها تحت حجة حماية أمنها القومي، قد تشكل سبباً لإسرائيل التي ومن خلال إسقاط طائرة من سلاحها الجوي في سوريا، وقلقها من امتلاك حزب الله للصواريخ البالستية الإيرانية، التي تصيب عمق المملكة العربية السعودية من اليمن، قد تشعل المنطقة وتدخلها في حرب إقليمية حذر منها اليوم رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط في تغريدته عبر “تويتر”، وكان قد سبقه وزير الخارجية الفرنسي الذي دعا إيران وحزب الله للانسحاب من سوريا حفاظاً على الاستقرار في المنطقة.

*فوزي ابو ذياب- “الأنباء”