مفهوم النسبية في علم الفيزياء

توفيق نصر الدين

ننظر الى هذا الفضاء الكوني الذي يبدو من المستحيل المطلق تخيل حدوداً وأبعاداً له، لامتناهي يحضنه الفراغ ويحيطه من حيث كل جزيء مادي، ينحدر فيه ويتعالى محيطاً بكل أبعاده الزمكانية ويتداخل في الفراغات الكامنة بين حركة كل المادة التي يحويها ويحولها متحولا بها الى طاقات وقوى نووية وكهرومغناطيسية واشعاعات ضوئية متعددة تنبعث وتنبثق في لا منتاهي الاصواب والحداب، تتذبب وتنعكس وتتموج بين الافلاك ومن أعماق الابعاد الكونية بفعل قانون فيزيائي يعرف بالنسبية، وهذه الابعاد التي تمتد وتقاس بعشرات وحتى بمئات ملايين ومليارات السنين الضوئية، يعني بما معناه أنها مسافات لا يمكن تصورها بخيالنا الانساني المبسط خارج المنطق الرياضي القياسي.

 إن سرعة الضوء – التي هي من الطاقات الكونية تلك – تصل الى ما يقارب الى الثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية “300,000 kilometer/sec”، فما بالنا أن ندرك ونقدر تلك المسافات الكونية لو حسبناها متضاعفة بالأيام أو الشهور والسنين. فالشمس تبعد عن الارض ما يقارب المئة والخمسون مليون كيلومتر، والضوء نفسه الذي يسير بسرعة ثلاثمائة الف كيلومتر بالثانية يستغرق مدة ثماني دقائق لكي يصل إلينا.

Spazio-e-tempo-sono-inseparabili-450x338

ما هي حقاً النسبية أو ما شابه؟

“الفلسفة مكتوبة في هذا الكتاب الكبير المفتوح بشكل مستمر بالدرجة الاولى على أعيننا (ما أقصده بقول كتاب هو الكون)، لكن لا يمكن فهمها أي تلك الفلسفة اذ لم يبدأ بتعلم اللغة التي كتبت بها، وبمعرفة الحروف التي كتبت بها. تلك الحروف كتبت بلغة رياضية، وحروفها هي المثلاثات، المربعات، الدوائر وأشكال هندسية أخرى. من دون وسائل التعلم تلك، لغة وحروف، يصبح من الصعب جداً الفهم الانساني لكلمة فلسفة تلك، وكأنه من دون تلك الوسائل هو أشبه بدوران مستمر في حلقة مفرغة ظلماء.”

بمقولته الشهيرة هذه أختصر عالم الفلك الفيزيائي، الفيلسوف والرياضي الايطالي “غاليليو غاليلي” “Galileo Galilei” الذي ولد في مدينة بيزا سنة 1546،وبرؤيته العلمية للافلاك والكون وحركة الكواكب، والتي بالدراسات التي قام بها وبعمله على تطوير جهاز التلسكوب في تلك الحقبة من التاريخ، الذي سمح له باستخلاص الكثير من المعرفة عن الديناميكية التي تتحرك بها الكواكب في مداراتها، استطاع ان يدعم نظرية كوبرنيكو التي اعتبرت ثورة في تغيير المفاهيم المغلوطة التي كانت سائدة ومعتمدة من قبل الكنيسة في القرون الوسطى، والتي كانت تقول وتؤمن بنموذج مركزية وثبوت الارض، وان باقي الكواكب والاجرام السماوية  تدور حولها حسب نظام بطليموس المجسطي.

parallel-universes

 كانت نظرية ذات مضامين مدعومة بخلفية دينية خاطئة تماماً، حيث في ذاك العصر وبسبب قوة ونفوذ الكنيسة التي كانت تدعم هذا الفكر لم يستطع غاليليو غاليللي أن يقنع بنظريته المعاكسة بأن الارض هي غير ثابتة – وهي ليست وسط الكون-، وبعد ان أتهم بالهرطقة وبالافكار الشيطانية تم إجباره على كتابة تعهد بنكران ونبذ كل افكاره فقام بذلك حفاظاَ على حياته مجبراً من محاكم الكنيسة نفسها.

بدءاً من الرياضي وعالم الفلك “جوناثان كبلر” “Johannes Kepler واضع قوانين حركة الكواكب وصولاً إلى إسحاق نيوتون Isaac Newton“، العالم الفيلسوف الرياضي الفيزيائي الانكليزي الشهير، صاحب نظرية الجاذبية الكونية المرتكزة على مكانيكية حركة الكواكب ودينامكيتها وواضع مع إيلور و“غوتفريد لايبنز”Gottfried Wilhelm Leibniz علم التفاضل والتكامل الرياضي.

نيوتون الذي عرفت عنه القصة المشهورة التي تساءل فيها عن سبب سقوط التفاحة من الشجرة على الارض وليس العكس اي ارتفاعها الى السماء، ومن بعد جاء نيقولا كوبرنيكو العالم والطبيب والفيزيائي البولندي صاحب النظرية الشيرة التي تقول بمركزية الشمس والتي ناقضت نظرية مركزية الارض وكان قد إعتقد بذلك من قبله كبلرو ونيوتون، ومن بعده غاليليو غاليليي وغيره وصولاً الى عصرنا هذا أصبحت فكرة النسبيية العامة تتوضح أكثر وتتبلور مضامينها، وتكمن فكرتها في حركة الكواكب والمجرات وفي التجمعات النجومية والشمسية المحكومة كلها بعامل الجاذبية وقوانين الوزن النوعي والكمي، وسير الكواكب واحجامها، انجزابها الى بعضها البعض حسب فارق وزنها ونوع المعادن والغازات المكونة لها.

القوى الكهرومغناطيسية والتفاعلات النووية التي تكمن وراء ديناميكية الحركة والجاذبية الكونية وأستقطابها وتفاعلها في الزمان والمكان في حيز الابعاد الثلاثة، والمقصود ليس الزمان والمكان بمفومنا الانساني المبسط، إنما بفكرة الزمكان، إذ صح التعبير بتسميتها فكرة الزمكان المطلق، ذات المفهوم الغامض داخل وخارج مفاهيم الحدود والابعاد الافقية والعرضية والطولية وتداور فعل البعد الرابع فيها وهو الوقت او الزمن.

*مترجم ، باحث وناشر مستقل