#بناء_وطن

بقلم نورا جنبلاط

 إن الوطن يُبنى من الداخل على شعورٍ مشتركٍ بالهويّة الوطنيّة وفق عوامل تجمع بين الناس ومنها الثقافة المشتركة، واللغة والتاريخ والإرث والقيم التي تُمارس يوميّاً على أرض الواقع، حيث أرى أن بناء الوطن والهوية مرتبط بحرية التعبير والديمقراطية.

بناء الوطن يتطلب تعزيز الشراكة بين الناس وهؤلاء القابعين في أبراجهم العاجية من سياسيين ومسؤولين وأحزاب وهيئات.

أمّا ما أراه أساسيّاً في بناء الوطن فهو ينطلق من عقد إجتماعي يرتكز على الإصلاح السياسي من خلال بناء مجتمع مدني مسؤول وضمان حريّة الرأي والتعبير وسائر الحريّات العامة بالإضافة إلى تعزيز المؤسسات الدستورية وتأكيد إستقلالية القضاء وإعادة بناء الاقتصاد.

إننا نفتقر إلى حقوقنا المدنيّة وفي طليعتها حق المواطنة وبالتالي إلى حقوقنا القانونيّة والإنسانيّة التي لم نحظَ يوماً بفرصة ممارستها كمواطنين فأسرفت السلطات في إنتهاك حقوقنا البديهية عبر الزمن والأحداث السياسية في المنطقة كرّست هذا الانتهاك.

كما أن بناء الوطن مرتبط بشكل أساسي بإنهاء التمييز ضد المرأة التي أتطلّع إلى مشاركتها الفاعلة في جميع نواحي المجتمع اللبناني وأبرزها الحقل السياسي حيث تغيب المرأة غياباً كليّاً. فيجب أن تهبّ رياح التغيير وأن يتم تعديل الأحكام التمييزيّة في قوانين الأحوال الشخصيّة والجنسيّة وقانون العقوبات. فما زالت المرأة ضحيّة التمييز الذي تنصّ عليه أحكام قوانين الأحوال الشخصيّة للطوائف.

ومن المشاكل المتجذرة، عجز الحكومة عن توفير الخدمات الأساسيّة التي من حقنا كمواطنين أن نحصل عليها ومنها التربية والصحة والبيئة السليمة وسواها من الخدمات.

ففي مجال التربية، الحاجة ملحة لتحقيق إصلاح تربوي جدي وتعزيز المدرسة الرسمية التي من المفترض أن تعلم أكبر عدد ممكن من الطلاب اللبنانيين وتفعيل التعليم المهني والتقني لتلبية حاجات سوق العمل، وإحترام حقوق الطفل في التعليم والصحة والحماية والعيش بطمأنينة.

وفي المجال البيئي، تتعدد المشكلات من مياه الأمطار والأنهر المهدورة وهي ثروة يتميز بها لبنان في المنطقة، إلى البحر الذي إنتهكته التعديات على الأملاك العامة وحرمت المواطن من الوصول إلى الشاطىء الذي بدوره تلوث وفقد خصائص الحياة البحرية وهدد الثروة السمكية رغم أنه كان تاريخياً أحد بوابات لبنان إلى العالم الخارجي، إلى الفشل في إدارة ملف النفايات، إلى فقدان الهوية المعمارية التراثية اللبنانية من خلال غياب الرؤى لتنظيم المدن والقرى اللبنانية وعدم إحترام مكوناتها وعناصرها الإجتماعية، إلى تشويه الغابات والجبال من خلال الكسارات والمرامل وإفتعال الحرائق وسواها من المشاكل التي تغذيها المقاربة المركنتيلية الجشعة.

ختاماً، بناء الوطن لا يستقيم دون إحترام حقوق الإنسان، لأبنائه أولًا وللقاطنين على أرضه ثانياً. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه رغم ترحيب لبنان واللبنانيين بالنازحين السوريين، إلا أن ثمة ممارسات قانونية تعسفية تُطبق بحقهم، كما طُبقت سابقاً بحق اللاجئين الفلسطينيين، لا تشبه لبنان ورسالته التاريخية بالانفتاح والإعتدال.

حتى اللحظة، تبقى مهمة بناء الوطن اللبناني “سيزيفية”، وقد لا نخرج من دوامتها الأبدية. إن الشباب اللبناني يطالب بعقد إجتماعي جديد ويسعى إلى المشاركة الفعالة في الحكم ليصبحوا مواطنين حقيقيين ينتمون إلى وطن عصري تحترم وتطبق فيه الحقوق الإنسانية والمدنية، وصدقاً… هذا من حقهم!

(النهار)