جنبلاط: لم تعد تفيد النصائح والتنظير!

كتب رئيس اللقاء الديمقراطي النائب جنبلاط المقالة التالية لجريدة “النهار”: مع المستوى المتقدم من الإهتراء السياسي والإقتصادي والإجتماعي والبيئي، لم تعد تفيد النصائح والتنظير.

مع المستوى المتقدم من الفساد والهدر والمحسوبيات وتردي واقع الإدارة العامة، لم تعد تفيد المقالات والمطولات.

مع المستوى المتقدم من نمو الدين العام إلى حدود غير مسبوقة ولا من يسأل أو يتحرك، لم تعد تفيد الأرقام والمؤشرات.

مع القدرة العجائبية على إصطناع قوانين إنتخاب بالغة التعقيد، لم يعد مفيداً الحديث عن الديمقراطية.

مع تفاقم الطائفية والمذهبية وتغلغلها في كل مفاصل الدولة والمجتمع، لم يعد مجدياً المطالبة بإلغاء الطائفية السياسية.

مع الفشل في إقرار قانون مدني إختياري للأحوال الشخصية، وإستمرار الجزر المذهبية في التفريق بين اللبنانيين، لم يعد مجدياً الكلام عن المساواة.

مع تقهقر التعليم الرسمي وتراجع الجامعة اللبنانية وإستيلاد الجامعات الخاصة في محاصصات وتقسيمات لا علاقة للعلم بها، لم يعد مفيداً الحديث عن تربية وطنية جامعة.

مع مستوى التراجع في الكهرباء والعجز عن معالجتها بعد إنفاق مليارات الدولارات، لم تعد تجدي الخطط الموسمية والخيارات الخاطئة.

مع تركز الثروة الوطنية بيد قلة قليلة وغياب أي سياسات جدية لإعادة توزيعها، لم يعد ينفع الفقراء الدروس في الوطنية والإخاء.

مع تكدّس المنتجات الزراعية والصناعية وغياب الأسواق الخارجية لتصريف الإنتاج، لم يعد مجدياً التغني بالماضي المجيد في إزدهار الترانزيت والتجارة المثلثة.

مع الفشل المتتالي في حل مشكلة النفايات، وتوزعها في الوديان وعلى الشواطئ، لم يعد مفيداً الغرق في نظريات التفكك الحراري أو الحرق أو الفرز من المصدر.

مع إنهيار منظومة القيم الأخلاقية والإنسانية، لم يعد مفيداً إلقاء المحاضرات وإقامة الندوات.

لكي نبني وطناً، علينا الترفع عن الحساسيات والصغائر، علينا مصارحة الرأي العام بالحقائق، علينا تقديم أمثلة جديدة عن الحكم، علينا بكل بساطة أن نمارس النقد الذاتي إلى أبعد الحدود.

لكي نبني وطناً، فلنتبعد جميعاً، ولو لبرهة، عن التنظير الجماعي، ونذهب لتحقيق خطوات جدية في مكافحة الفساد والإصلاح الجدي… قبل فوات الأوان.

(النهار)