الجبل… محبة وإيمان/ بقلم عامر زين الدين 

أثار مشهد مشاركة رجال دين موّحدين في مراسم دفن والدة الخوري ايلي كيوان في بلدة الفريديس الشوف الجمعة الماضي وتقبلهم التعازي الى جانبه قبل وبعد الجنّاز في صالون كنيسة مار الياس من الوفود المشاركة في البلدة والمنطقة بعض الاستفسارات عن تلك الصورة الجامعة.

بإختصار ولكون الخوري كيوان تربطه علاقات صداقة وأخوية كثيرة ويعرفه الناس عن قرب، أرى الامر عاديا جدا من وجهيه الاجتماعي – الاخلاقي، والروحي – الانساني.

صحيح ان القول المأثور “نيّال اللي عندو مرقد عنزة في جبل لبنان” له ظروفه الموضوعية المرتبطة آنذاك في كلفة ترك منطقة الجبل للانتقال الى العاصمة، لكنه بات مصطلحاً يسقط على الحديث مجرّد الاشارة الى عادات وتقاليد وتربية وثقافة ابناء الجبل الهادفة الى الحفاظ على قيم اخلاقية بمُثُل التعايش الأخوي دون تمييز بين عائلة روحية واخرى، وتبادل علاقات الاحترام والموّدة اجتماعيا، وانسحابها على مشاركة الناس لبعضهم البعض في مناسبات الافراح والاتراح والمواساة. ولعل الأب ايلي كيوان يجسّد امثلة عدة بشهادة ابناء المنطقة من خلال تواصله المستمر ومشاركته العائلات الروحية في المناسبات الاجتماعية على اختلافها، وما يحفزّه على ذلك تفاعل النَّسيج الاجتماعي الذي يجسّد روح الانتماء والمواطنة. الى جانب طبعا خدمته الكهنوتية في عدد من القرى، زد عليها قناعةً مطلقة تكوّنت لديه بالحفاظ على مصالحة الجبل التاريخية التي رعاها زعيمان كبيران هما البطريرك نصرالله صفير ووليد جنبلاط وأخذ العِبَر منها.

ولا غروَ في رؤية الخوري يصافح الشيخ الدرزي بتبادل تقبيل يدي بعضهما البعض من باب احترامه الكبير لـ”خييّ الشيخ”، بالسلام التواضعي الذي يُطبّقُ المساواة بين الأفراد صغيرهم وكبيرهم. وقد سبق الخوري ايلي كيوان الى ذلك المطران (الماروني) جبرائيل الحلبي (1670-1732) الأديب والباحث من الرهبان الذي له ذكر واهتمام في أوساط طائفة الموّحدين الدروز لعلاقاته الودّية الكبيرة معهم في سوريا ولبنان، واصداره كتيباً فيه ذكر للكتب الدينية المقدّسة عند الدروز.

والتعايش المقصود هنا بمفهومه الروحي يعني، أنه كما يحتفظ الموّحد بخصوصيته باعتبار الإسلام ضَمِنَ حرية الاعتقاد للناس كافة “لا إكراه في الدين”، ونادى بالمحبة والتسامح مع سائر الأديان السماوية، كذلك يحتفظ المسيحي بخصوصيته وديانته الداعية إلى المساواة بين جميع البشر، ووصية السيد المسيح (ع) لتلاميذته بأن يعاملوا الناس بكل المحبة والتسامح، وقول عيسى (ع) “وصيّة جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم أنا”… فطوبى للساعين الى المحبة والسلام، والى اصحاب القلوب الطاهرة والصافية والنقية، ولتبقى اجراس الكنائس تُقرع، وصلوات المؤذنين في الخلوات والمساجد تصدح، والتحية الى الخوري ايلي كيوان، وكل المتجذّرين في هذه الارض ايماناً وعنفواناً، وليبقى الجبل شامخا موّحداً بأهله.