لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أن روسيا نشرت فرقة جديدة من صواريخ أس 400 المتطورة، المضادة للأهداف الجوية في جزيرة القرم، في البحر الأسود. وكانت روسيا ضمّت الجزيرة إليها في يونيو/‏حزيران 2014، بعد أن كانت خاضعة للسيادة الأوكرانية.
وقد فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عقوبات اقتصادية مُشددة على روسيا، رداً على قرار الضمّ. الخطوة الروسية الجديدة لها مدلولاتها الاستراتيجية، ولا يمكن اعتبارها تطوراً عادياً مرتبطاً بأحداث أوكرانيا فقط، خصوصاً أن منظومة صواريخ أس 400؛ ليست مُخصصة لاعتراض الطائرات الحربية فقط، بل إنها قادرة على التصدي للصواريخ البالستية وتفجيرها في الجو.
القائد في القوات الجوية الروسية الجنرال فيكتور سيفوستيانوف، قال لوكالة إنترفاكس الروسية، إن خطة نشر الصواريخ الجديدة في القرم دفاعية، وهدفها صون الحدود الروسية، ولكن الخطة قد تتحول إلى هجومية خلال خمس دقائق فقط، إذا ما استدعت الضرورة، ذلك أن التكنولوجيا المتطورة التي تعتمد عليها صواريخ أس 400؛ تُساعد على مثل هذا التحول. وهذه المنظومة التي دخلت إلى الخدمة عام 2007، تخضع للتحديث الدائم.
استعراض القوة الروسي الجديد في القرم، يأتي أيضاً رداً على إعلان الإدارة الأمريكية في شهر ديسمبر/‏كانون الأول الماضي، أن واشنطن تُخطط لتزويد أوكرانيا بقدرات دفاعية متطورة، تشمل صواريخ «جافلين» المضادة للدبابات. وكذلك فإن الخطوة الروسية إشارة امتعاض من المناورات التي أجرتها منذ بداية يناير/‏كانون الثاني الحالي، المدمرة الأمريكية «يو أس أس كارني» مع القوات البحرية الأوكرانية في البحر الأسود.
كما أنها؛ أي خطوة نشر الصواريخ، ليست بعيدة عن أجواء التوتر التي يشهدها أقصى الشرق على خلفية التجارب النووية والصاروخية الكورية الشمالية. وقد أعلنت واشنطن أنها ربما تلجأ إلى تفتيش كل السفن المتوجهة إلى كوريا الشمالية، بعد المعلومات التي نشرتها وسائل الإعلام، عن تزويد سفن روسية لسفن كورية شمالية، بكميات كبيرة من النفط في عرض البحر، تجاوزاً لقرار مجلس الأمن الدولي، الذي يفرض عقوبات على بيونج يانج.
بطبيعة الحال؛ فإن روسيا خرجت من الاسترخاء الاستراتيجي، الذي غلب على سياستها الدولية في العشرية الأولى من القرن الحالي. وهي نسيت خطة حلف الأطلسي التي أُقرت عام 2010، والتي اعتبرت أن روسيا ليست عدواً للحلف؛ لأن المجهودات العسكرية الأطلسية غالباً ما تتركز على نقاط تهدف لتقويض القوة الروسية، أو تهدف لتطويقها. وهناك تقارير مُتعددة نُشرت في المدة الأخيرة، تتحدث عن برامج أمريكية لتطوير أسلحة استراتيجية ونووية، لمواجهة الأسلحة الروسية الحديثة، وللوقوف في وجه الطموحات الروسية في أكثر من مكان في العالم.
وإذا كانت روسيا نجحت عام 2013، في ثني إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، عن نشر المنظومة الصاروخية في تشيكيا وبولونيا؛ إلا أن القوات الأمريكية عادت والتفت على قرار وقف نشر المنظومة، بتركيب قواعد رادار متطورة مع قواعد حماية لها، بالقرب من الحدود البولونية الروسية.
وقد ردت روسيا حينها، بنشر صواريخ متوسطة المدى من نوع «اسكندر – أم» في كالينينجراد، وهو الجيب الروسي الذي يقع في أقصى غربي روسيا، داخل أوروبا. وهذه الصواريخ المتطورة، قادرة على الوصول إلى معظم القواعد والمدن في أوروبا الغربية حتى مدينة برلين في ألمانيا، ويمكنها أن تحمل رؤوساً نووية.
يبدو واضحاً أن خطوط التواصل بين واشنطن وموسكو تراجعت، بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وبرقيات المجاملة السريعة التي يُطلقها الرئيسان ترامب وبوتين عبر تويتر؛ لم تُرسِ تفاهماً واضحاً بين الدولتين العظميين، على القضايا الاستراتيجية الكبرى، ومستوى التعاون الذي كان مقبولاً بين البلدين في الحقبة الماضية، لم يَعُد على ما كان عليه. فطرد الدبلوماسيين المتبادل الذي حصل في يوليو/‏تموز 2017، وعدم لقاء الرئيسين باجتماع رسمي على هامش قمة «آيبك» لدول آسيا والمحيط الهادي في فيتنام منتصف نوفمبر/‏تشرين الثاني 2017، بحجة ضيق الوقت، يخفي عدم توافق أكثر، وشكلاً من أشكال الحرب الباردة بين البلدين.
ومن المؤكد أن نشر الصواريخ الروسية الإضافية في جزيرة القرم، في هذا الوقت بالذات، يهدف إلى توجيه رسالة إلى الأمريكيين، تحذرهم من مغبة الغرق أكثر في الوحل الأوكراني، وأن روسيا لم تتأثر بفرض العقوبات الغربية عليها.
عشرات المناورات الروسية في القطب الشمالي، وقرب النرويج، ليست بعيدة عن خطى استعراض القوة المتلاحقة بين واشنطن وموسكو. والحديث عن فرض عقوبات أمريكية على 50 شخصية روسية، منها رجال أعمال، ليس بعيداً عن سياق التوتر البارد ذاته.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

أفغانستان الجريحة

مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

توازن الرعب في أقصى الشرق

أخطر مُربع في الصراع

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية

إعادة خلط الأوراق في العلاقات الدولية