لغة مشتركة: هكذا يقضي نتنياهو وترامب على فكرة الدولتين

•في يوم الأربعاء، وخلال زيارته إلى الهند، أعلن رئيس الحكومة نتنياهو أن “لديه تقديراً صلباً بأن سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل ستنتقل إلى القدس مع نهاية السنة”. وكما تجري الأمور خلال السنة الأخيرة، فإن تقدير نتنياهو هو فعلياًحصيلة تنسيق عملي بينه وبين الرئيس الأميركي ترامب لنقل السفارة من شارع اليركون في تل أبيب إلى حي أرنونة في القدس. المطلوب الآن فقط تحديد موعد وضع الحجر الأساس، ربما في 14 أيار/مايو المقبل، أي في ذكرى مرور 70 عاماَ على إعلان الاستقلال.
•سيشكل انتقال السفارة، فعلاً، حدثاً تاريخياً، بخلاف “الزيارة التاريخية للهند” التي يحاول رئيس الحكومة تصويرها في هذه الأيام. قبل 15 عاماً، في أيلول/سبتمبر 2003 زار رئيس الحكومة أريئيل شارون الهند برفقة وزراء (بينهم يسرائيل كاتس وليمور لفني) وأعضاء كنيست، وخصوصاً رجال أعمال، ومدراء مصارف، وفنانين (بينهم المغنية كورين ألال والراقص عيدو تدمور). وقد استُقبل شارون والوفد المرافق استقبال الملوك في نيودلهي في القصور والساحات والشوارع. وتحدث رؤساء المؤسسة الأمنية الذين رافقوا الوفد “عن اغداقهم السلاح على الهند من دون وعي”، وحاولوا بيع الهند منظومات رادار من نوع “فالكون” بمليارات الدولارات. ومنذ ذلك الحين لم يتغير شيء في خريطة المصالح. نحن نبيع السلاح، ونحصل في مقابل ذلك على علاقة ودية. هذه هي القصة كلها.
•لكن في المحادثة التي أجراها شارون، في ذلك الوقت، مع الرئيس الهندي عبد الكلام، ومع رئيس الحكومة أتال بيهار فاجيباي، تحدث مطولاً عن والدته التي نصحته “بعدم الثقة أبداً بالعرب”. وتصديقاً على هذا الكلام، قام شارون فيما بعد بالانفصال عن غزة [سنة 2005]، وهذا يعبر عن عداء وعدم ثقة كبيرة بالفلسطينيين، وباحتمال التوصل إلى أي حل معهم. لكن زيارة شارون إلى الهند انقطعت بسبب الهجوم على “مقهى هيلل”، في القدس، حيث قُتل سبعة أشخاص. وتخلى شارون عن زيارة بومباي، وركب الطائرة عائداً إلى إسرائيل. لقد كان قد مرعام ونصف العام على عملية “السور الواقي” التي قام بها شارون بدعم من الرئيس الأميركي جورج بوش، لكن موجة الارهاب لم تخمد.
•كان شارون وبوش صديقين، لكن يبدو أن شبكة العلاقات بين نتنياهو وترامب وثيقة أكثر كثيراً، ورئيس الحكومة الحالي يستطيع أن يعلن خطوات لم يطّلع عليها مستشارو الرئيس الأميركي المقرّبون.هناك قاعدة ايديولوجية بينهما مشتركة. ومن المعقول الافتراض أنه عندما تحدث الرئيس ترامب قبل أسبوعين عن دول منكوبة يأتي منها المهاجرون إلى الولايات المتحدة، كان من مدعاة سروره أيضاً أن يشمل السلطة الفلسطينية بين هذه الدول. يعرف نتنياهو جيداً هذا التمييز السطحي السائد وسط اليمين الأميركي إزاء العرب وإزاءالآخرين. وهو يؤمن به ويستخدمه جيداً. وهذه هي اللغة المشتركة بينه وبين ترامب.
•لست بحاجة إلى أن تكون من دعاة نظرية المؤامرة كي تتخيل الصورة التي يصورها اليمين: نتنياهو يجلس مع ترامب بعد الانتخابات في أميركا، ويطلب منه القضاء مرة واحدة وإلى الأبد على حل الدولتين. ونتنياهو وهو يقرأ على مسامع ترامب مقاطع كاملة من كتابه “مكان تحت الشمس”، و يحدثه عن الخطر الوجودي الذي يتربص بإسرائيل من جانب الدول الفلسطينية التي ستغرق وتغرقنا بملايين اللاجئين من العالم كله، وترامب يهز رأسه موافقاً. ونتنياهو يفسر لترامب أنه لا يستطيع التراجع عن الدولتين، الحل الذي عرضه في سنة 2009،ويطلب منه مساعدته في التخلص من هذا الوعد.
•يصوغ ترامب ونتنياهو تكتيكاً مشتركاً أساسه ” دعوا الفلسطينيين يقضون على العملية السلمية”. الرئيس الأميركي يعرض شكلياً المفاوضات، ويعلن أن مؤتمراً سينعقد خلال ثلاثة أشهر بشأن الموضوع الفلسطيني، ويشكل طاقماً رئاسياً مع جاريد كوشنير، وجايسون غرينبلات، والسفير ديفيد فريدمان، الذين هم، في الحقيقة، الناطقون بلسان حزب البيت اليهودي. يعلن الطاقم عن صفقة العصر، لكن سرعان ما يختفي بعد عدة زيارت إلى المنطقة، ويتبنى بسرعة السردية الإسرائيلية بعدم وجود محاور في المفاوضات. ويضرب الرئيس الأميركي الحديد وهو حامٍ، ويعلن أن القدس عاصمة لإسرائيل. يغضب الفلسطينون ويدّعون بأن “هذا الاعتراف هو الذي يقتل المفاوضات”، لكن الرئيس الأميركي لا يتأثر لأن هذا هو ما يريده.
•وزراء مقربون من نتنياهو فوجئوا بإعلان انتقال السفارة خلال هذه السنة. لكن من الصعب عليهم الاعتراف بوجود تنسيق سياسي مسبق بين نتنياهو وترامب هدفه القضاء على فكرة الدولتين. والافتراض هو أنه لا يزال مطروحاً خطة أميركية –سعودية يعرفها أبو مازن، وقد قرر تفجير كل شيء في مرحلة مبكرة كي لا يضطر إلى الاعتراف بها. وبحسب خطة الأمير محمد بن سلطان، ستكون أبو ديس هي عاصمة الدولة الفلسطينية، وستبقى المستوطنات على حالها، وسيختفي حق العودة من جدول الأعمال. وتماماً كما أن نتنياهو لا يريد تقسيم أرض إسرائيل خلال حكمه، كذلك أبو مازن، فهو ليس مستعداً للقبول بحل يحوّله في نظر شعبه إلى خائن.
•أطراف في اليمين الديني، تعارض الخطة السعودية، هذا إذا كانت موجودة، يرون في ترامب رد فعل على إدارة أوباما، وإصلاح سماوي للظلم الذي لحق بمشروع الاحتلال والمستوطنات خلال السنوات الثماني الأخيرة. وهم يعتبرون خطاب الطلاق لأبو مازن هو نهاية العملية السياسية.

•إن الاتفاق الصامت بين الإدارة الأميركية وبين الحكومة الإسرائيلية واضح. الأميركون يغضون النظر عن توسيع المستوطنات، لكنهم لن يوافقوا على إقامة مستوطنات جديدة. وسيستمر هذا سنوات طويلة، إلى حين تصبح هناك عائلة يهودية – فلسطينية كبيرة واحدة تعيش على الأرض في ظروف غير متساوية.

*نقلا عن مؤسسات الدراسات الفلسطينية