الفكر الإشتراكي وثقافة المؤتمرات/ بقلم د. وليد أبو خير

تنظيم وإقامة المؤتمرات والمنتديات سواء الفكرية أم الإقتصادية والإجتماعية..، إنما تكشف عن برامج الأحزاب السياسية على كافة الأصعدة. ففيها ومن خلالها تتجلى إحدى الأساليب النمطية في ممارسة الديمقراطية الصحيحة والحقيقية، أن تكون المؤتمرات منبرًا ثقافيًا وإعلاميًا للأحزاب السياسية اللبنانية تصبّ في خدمة مجتمعها وفي خدمة إقتصاد الوطن.

أما وللحزب التقدمي الإشتراكي، فإن السمات التي تتحلى بها منظومة مبادئه ومخزون قِيَمِه الفكرية ما تجعله في حلٍّ عن السياسات الضيقة السائدة في الساحة المحلية، ليتّجه بهذه المنظومة وهذا المخزون إلى لعب أحد أدواره الطبيعية كتنظيمه المؤتمرات وإقامة الندوات والمنتديات على إختلاف توجهاتها وأنشطتها وموضوعاتها.

فمن المحطة المتميّزة التي ما فتئت أنها محطّ ترقّب المواطن اللبناني بحذرٍ وشوق في سياق حياة الوطن الإقتصادية، أن يعقد الحزب مؤتمره الإقتصادي، وأن يضع في دائرة البحث والتدارس السياسات النفطية المرتجاة للبنان، وذلك في شهر أيلول (سبتمبر) من العام 2017، إلى نقلةٍ ثقافية فكرية نوعية مصادِفة مع اليوم العالمي للّغة العربية في شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام نفسه، في حين أنْ جانبها إفتتاح مجمّع المعلم كمال جنبلاط التربوي في منطقة البقاع خلال الفترة الزمنية عينها… . وفي هذا ما يدلّ على الثراء الفكري المختزن حتى العصْف في التنوّع الثقافي والفكري للحزب والذي يجمع ما بين النظرية والتطبيق.

إن الإرث الذي تركه المفكّر كمال جنبلاط في قالب محوكم أطّره في مؤسسة الحزب، إنما يكشف عن مخزونٍ فكري تعدّدت نواحيه فتوزّعت ما بين السياسة والإجتماع والإقتصاد إلى الشِعر والأدب..، ليشكّل عاملًا أساسيًا في جرأة التقدميين الإشتراكيين بالمجاهرة بهذا الإرث الثقافي العامر والذي يشكّل لهم محطات عديدة وإسًّا صلبًا لإقامة المنتديات والندوات المتخصّصةكخطوةٍ في نشر هذه الثقافات وتعميمها بين الوسط المجتمعي اللبناني والتي تشكّل معينًا ثريًّا لهم في السير بالإقتصاد والثقافة نحو الغاية المنشودة من التطوّر والإنفتاح العلمي والأدبي.

وما يساعد في ذلك، الهيكلية التنظيمية في الحزب التقدمي الإشتراكي التي تشكّل معينًا هادفًا للتقدميين في نشر ثقافتهم وفتح مخزونهم الفكري الموروث أمام الجميع، بحيث تتولّى كل مفوضية فيه النشاط المعيّن لها لنشره ضمن إطار حوكميّ منظّم.فالمفوضيات المتعدّدة في إطار الإدارة الحزبية الإشتراكية هي ليست من باب تعدّد الأنشطة الأساسية التي تتحتّم على الأحزاب عمومًا من تنصيبها تنصيبًا إداريًا شكليًا فقط. فهذه المفوضيات تلاقت مع الأطر الفكرية التي إنطلقت من ميثاق الحزب التقدمي لتشكّل قاعدة إدارية منتظمة ومنظّمة في التعبير عن المبادىء الفكرية للحزب لتخرج بها إلى الطور التطبيقي.

IMG_3387

وما البرنامج العام الذي إنطلق منه الحزب التقدمي الإشتراكي، إنما إنطلق مستندًا على تطلعاتٍ وآفاقٍ فكرية لمجموعةٍ من المفكّرين هم روّادًا في علوم الإجتماع والإقتصاد وفي الفكر الثقافي، ومنهم إكتسبت برامج الحزب قوّتها العملية.

ففي الشؤون الإقتصادية، وضع المفكّر كمال جنبلاط مخزونات فكره أمام عقولٍ منظّمة في الإقتصاد عملت على قولبتها في إطارٍ برنامجيّ منظّم ومنسّق، فكان للأستاذ سعيد حمادة وهو الخبير الإقتصادي كما للأستاذ فريد جبران وهو الخبير المالي بصماتهما في هذا الشأن.

أما وفي المسائل الإجتماعية، حيث إمتزجت وعلى وقع عصفٍ ذهني النفحات الإنسانية الإجتماعية فيما بين المفكّر كمال جنبلاط والعلاّمة الشيخ عبدالله العلايلي لتعبّر في أصدق تعبير عن وجع المجتمع فتنتظم الحلول في إطار جامع تخفّف من أوجاعه ومن معاناته.

هذا وإجتمعت خيرة الخبرات في علوم السياسة حول المفكّر جنبلاط لتنضج مع الدكتور جورج حنا والأستاذين ألبير أديب وفؤاد رزق وآخرين..، فتُخرج إطارًا فكريًا في السياسة تعبّر عن واقع لبنان الحاضر ومرتجاه للمستقبل.

هذا الطيف الوجداني العارم والمتّحد بكوكبة من المبدعين في الحقول الحياتية كافة، أفضت على الحزب التقدمي القوّة المعنوية فأسهمت في عملقته بالفكر والقول والعمل، مما حتّم على إدارته تنظيم هذا المخزون الفكري في إطار تنظيمي متّسق تعمل على بعثه في الأوساط المجتمعية من خلال المنتديات والمؤتمرات وسواها بما شابه.

فالحزب التقدمي الإشتراكي ومن خلال إدارته لهذه السياسة التثقيفية والإعلامية النجيبة والتي تنطلق من قناعتها بمناحٍ ثلاث هي:

الأولى: أنها محطات أساسية لنشر الثقافة السياسية والإجتماعية والإقتصادية في المجتمع، ودعوته للتعرّف على برامجه في هذه الصعد؛

الثانية: أنها ثقافة الديمقراطية الحقيقية التي يؤمن بها الحزب بإعتبار أنها ضمن أنشطته الطبيعية في نشر أفكاره وتجدّدها وإعطاء الحلول الإجتماعية والسياسية والإقتصادية؛

والثالثة: أنها تُظهر متانة ووثاقة الحزب في قوّة برامجه بشكلٍ عام.

إحذوا حذو الحزب التقدمي الإشتراكي.

 

(*) باحث إقتصادي