لبنانيات يتحدّيْن غياب الكوتا: عم نحكي سياسي!

في سياق التحضير للإنتخابات النيابية المقبلة، تشهد الساحة اللبنانية حراكاً نسائياً لافتاً، خرجت معه الكثير من النساء من قوالب العمل الإجتماعي والمبادرات الإقتصادية الفردية، لاقتحام عالم السياسة من بابه العريض، في الممارسة السياسية اليومية تدرّباً وأداء، وعبر إطلالات إعلامية منظّمة ومدروسة لتظهر كفاءتهنّ وقدرتهن على خوض غمار العمل السياسية، بغض النظر عن مدى اقتناع الأحزاب السياسية بقدراتهن، و”بلا جملية” نظام الكوتا الذي تم إسقاطه من قانون الإنتخاب الحالي!

وإذا كان هذا “الهجوم النسوي” على مسرح السياسة لن يأتي بثمار أكيدة ومضمونة في الإستحقاق الإنتخابي المقبل بنتيجة القانون الإنتخابي وما يكرّسه من حضور للأحزاب الكبرى الحاكمة إذا صحّ التعبير – ما يلزم النساء الطامحات لدخول المعترك السياسي بالحصول على رضى رؤساء الأحزاب الكبرى المسؤولة عموماً عن تشكيل اللوائح الإنتخابية – غير أن هذه النماذج النسائية التي أخذت على عاتقها التحدّث في السياسة أينما وُجدت بدأت تترك أثرها لناحية تغيير الصورة النمطيّة للمرأة في أذهان الناس، عبر إقناع المجتمع اللبناني أولاً بأن العمل السياسي هو حقّ من حقوق المرأة اللبنانية، وبالتالي فإن ترشّحها للإنتخابات النيابية أمر مشروع، ثانياً بأن المرأة في لبنان قادرة فعلاً على الحديث في السياسة وليس صحيحاً أنها مجرد عارضة أزياء أو فنانة أو إعلامية في برامج الصباح او الترفيه والقيل والقال، أو في أقصى الحالات وريثة لمنصب رفيع!

في هذا السياق، برزت مبادرة “عم نحكي سياسي”، التي أطلقتها جمعيّة “نساء رائدات” Womeninfront، والتي تحمل هدفيْن أساسييْن: الأول هو تشجيع النساء البارزات على الظهور في وسائل الإعلام عبر استضافتهنّ في البرامج السياسيّة الحواريّة الرئيسيّة على شاشات التلفزيون بهدف تسليط الضوء على نماذج يُحتذى  بها في  مجالات مختلفة وبشكل خاصّ في السياسة، وثانياً مناصرة حقوق النساء وواجباتهنّ للوصول إلى تمثيل سياسي عادل عبر الضغط من أجل إقرار نظام الكوتا في القانون الانتخابي الجديد.

7

وبعد سقوط الكوتا من القانون العتيد الذي يقلّص فرص وصول النساء إلى الندوة البرلمانية، أطلقت الجمعية نفسها برنامجيْن هادفيْن، الأوّل حمل عنوان المبادرة “عم نحكي سياسي” ويتم عرضه عبر شاشة أل بي سي بتقديم من الزملية ندى أندراوس، والثاني عبر شاشة أم تي في بعنوان “مين إنتو” وتقدّمه رئيسة “نساء رائدات” جويل رزقالله، وتهدف هذه البرامج، من خلال المناصرة والتغطية الإعلاميّة الشاملة، إلى: أولاً، دعم المشاركة السياسيّة للنساء من خلال حملات تعيد هذا الموضوع إلى واجهة الأجندات السياسيّة وتوثّر على قرارات صانعي السياسات، ثانياً: تغيير النظرة السلبيّة والقواعد التمييزيّة التي تشكّل عائقًا أمام مشاركة المرأة في السياسة، وثالثاً، نقل صورة تظهر الدور المحوري للمرأة عبر تسليط الضوء على إسهامها كعنصر فاعل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .

في هذا الإطار، أكّدت رزقالله لـ “الأنباء” أن “هذه البرامج هدفها تغيير الصورة النمطية للمرأة اللبنانية لدى الرأي العام الذي لا ينتخب امرأة عموماً لأنه لم يتعوّد على رؤية مثال أعلى لامرأة تعمل في الشأن السياسي بنجاح وتتحدث في السياسة بنجاح”، وقالت ان “هذه البرامج موجّهة للرجال والنساء على حد سواء، وانطلاقاً من دراسة واقع المجتمع اللبناني الذكوري بنسبة عالية، ولأن الرجال ربما لا يهتمون بمتابعة برنامج لا تتحدث فيه سوى النساء ولأننا نطمح لجذب النساء والرجال معاً، جعلنا هذه البرامج منصّة طبيعية تستضيف الرجال والنساء على قدر من المساواة للحديث في المواضيع السياسية الساخنة”، ونوّهت إلى أنه ” رغم أن وسائل الإعلام اختارت عرض هذه البرامج في أوقات بعيدة جداً عن أوقات الذروة في المتابعة، لكن البرامج تحظى بنسبة متابعة عالية جداً، ويتم تناقل مقاطع الفيديو منها على مواقع التواصل الإجتماعي بشكل ملفت جداً، ما شجّع المؤسسات الإعلامية على دعمها أكثر”.

رزقالله أكّدت أن “هذه البرامج أسهمت كذلك بإدخال مفهوم المناظرة السياسية الحقيقية الذي نشهده لأول مرة في لبنان، في حين أن اللبنانيين اعتادوا على متابعة رجال يتناقشون في السياسة بطريقة عنيفة جداً وغير حضارية على الإطلاق”.

غنوة غازي – الأنباء