هل ينجح المجلس المركزي الفلسطيني في مواجهة قرارات نتنياهو العنصرية؟

منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل، ونقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس الشرقية، وتأييده لموقف نتنياهو بيهودية دولة إسرائيل مقابل تجميد الاستيطان وتبنيه المشروع الصهيوني بأكمله، عادت المواقف الإسرائيلية التصعيدية والمتطرفة لتخرج الى العلن من جديد بصورة قرارات حكومية وتشريعية من الكنيست منها ما يطالب بضم الضفة الغربية وإسقاط مشروع حل الدولتين، ومنها ما يطالب بإعدام الأسرى المعتقلين في السجون الإسرائيلية، وغيرها من القرارات والمواقف المتنكرة لحقوق الشعب الفلسطيني التي أقرتها الشرعية الدولية، والانقضاض على الحلول السلمية التي أقرت قيام دولته الفلسطينية كاملة السيادة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، وعودة النازحين إلى المناطق التي هجروا منها عام 48.

إن السياسة الممنهجة التي تنفذها حكومة نتنياهو، المرتبطة باستعادة السيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة، وإعلان الدولة اليهودية بعاصمتها القدس الموحدة، مبنية على مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وعلى قراءة نتنياهو الخاصة للحظة السياسية التي تمر بها المنطقة العربية، والوضع الدولي العام، في محاولة للنفاذ بهذه القرارات وتثبيتها كأمر واقع، يحقق من خلاله انتصاراً استراتيجياً لابد من الاعتراف به.

لذا وجب التعاطي مع تلك القرارات على أنها بداية مرحلة جديدة سوف يتم البناء عليها في مختلف المجالات سواءً بالنسبة للفلسطينيين في الـ48، حيث تعمل الإدارة الاحتلال الإسرائيلي على صياغة مجموعة قوانين عنصرية تجعل الفلسطينيين داخل الخط الأخضر كمواطنين درجة ثانية مسلوبي الحقوق، وقد تصل تلك القرارات الخطيرة، الى حدود الزام كل فرد يحمل الجنسية الإسرائيلية بالاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، وهذا الأمر له تبعات كبيرة.

كذلك تتجه السياسة الإسرائيلية نحو عزل قطاع غزة، وتجزأه الضفة الغربية الى مربعات صغيرة، تتيح من خلالها للقوات الإسرائيلية التغلغل والتغول فيها وفي كل الأراضي الفلسطينية دون أي رادع، أو أي ضغوط أو اعتراضات تذكر، والمسألة هنا لا تتعلق بموقف الرئيس الأميركي الفج والوقح، انما ترتبط أيضاً بقراءة الإدارة الإسرائيلية للموقف الأوروبي، الذي مازال حتى اللحظة لا يؤثر على السياسة الإسرائيلية بشيء، لا في العلاقات الرسمية ولا في العلاقات الاقتصادية الضخمة بين إسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي، لا بل تحظى إسرائيل برعاية استثنائية بهذه العلاقة، ولا حتى في محاسبة إسرائيل على ترتكبه من جرائم وانتهاكات للقوانين والحقوق الدولية، على الرغم من التصويت الأوروبي لصالح الفلسطينيين في الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي جرى الأسبوع الفائت ضد قرار ضم القدس ونقل السفارة الأميركية إليها.

السفارة الاميركية اسرائيل

لذا فإن فجاجة الموقف الأميركي المتمثل بالرئيس ترامب وإدارته المتطرفة، وصمت الموقف الأوروبي الذي لا يرقى إلى مستوى المواقف الفاعلة والمؤثرة، تؤكد ان الإدارة الإسرائيلية تحظى بدعم دولي معلن وغير معلن، مؤيد للإجراءات العنصرية التي تقوم بها، وبالمقابل لا نجد موقفاً دوليا داعماً لفلسطين لا من روسيا ولا من الصين، بحيث أن روسيا فتحت سفارتها من الأساس في القدس الغربية، دون أن تواجه بأي إشكالية، على اعتبار أن الموقف الروسي في تلك المسألة ينطلق من قاعدة الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، من هنا وجب علينا قراءة الموقف الدولي، لفهم اندفاعة نتنياهو في اتخاذ قراراته تلك، بعيداً عن ارتباط تلك المواقف والقرارات بالوضع الداخلي الإسرائيلي أو انعكاس ذلك على موازين القوى الداخلية.

من جهة أخرى يستمر نتنياهو باستثمار الحالة الإقليمية، ويعمل على الترويج لفكرة التطبيع الاقتصادي والأمني مع دول المنطقة، مستفيدا من قوة الدفع التي تقوم بها الإدارة الأميركية تجاه إنجاز مصالحة بين إسرائيل والدول العربية، تتجاوز الحل الفلسطيني كما يراه الفلسطينيين، بهدف وضع المسألة الفلسطينية على سكة الحل التي يراها نتنياهو تحديداً، مستغلاً انشغال القوى الرئيسية في المنطقة كمصر والسعودية في قضايا ترتبط بالأمن القومي لكل منهما.

فانشغال مصر بالمواجهة عسكرية مع الإرهاب من جهة، وبالأزمة الليبية من جهة أخرى، وانشغال السعودية في مواجهة المشروع الإيراني التوسعي، وتهديد الأمن الخليجي، والحرب الدائرة في اليمن، يعني أن “المحور العربي”، لا يستطيع تشكيل قوة ضغط على الرئيس دونالد ترامب الذي أعاد تعزيز علاقته مع المملكة العربية السعودية، مستغلاً مواقف الرئيس السابق باراك أوباما الذي لم يجيد التعامل لا مع السعودية ولا مع مصر، ليستفيد من هذا التناقض لمصلحته، واضعاً “المحور العربي” السعودي والمصري في خانات وزوايا حساباته الضيقة، وهذا ما يشجع نتنياهو ويدفعه للاستثمار في هذه الحالة الى أبعد مدى.

حسابات ترامب ونتنياهو العربية، لا يتطابق مع حقيقة الموقف المصري والسعودي برأي دبلوماسي عربي مقرب من دائرة صنع القرار في “المحور العربي – المصري السعودي”، الذي يوضح في حديث مع “الأنبـاء“، أن “المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، والمملكة الأردنية الهاشمية، لا يقبلون ولا يمكنهم السير في صفقة سياسية ينجم عنها تطبيع كامل مع إسرائيل دون حل كامل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، ولا يمكن لهذه الدول ولا لأي دولة عربية القفز عن المسألة الفلسطينية كما يراها الفلسطينيين”. وقال: “إن المسألة الفلسطينية ليست قضية هامشية بيمكن تجاوزها، إنما هي عصب ارتكاز وانضباط الأمن القومي العربي”، وبالتالي فإن الأمر وفق المصدر الدبلوماسي “يتطلب قراءة أكثر عمقاً لنظام المصلحة العربية وللموقف العربي العميق، والموقف السعودي أو المصري ليس بالموقف الداعم للمسألة الفلسطينية، بال المتبني للموقف الفلسطيني لأنه يحمي نفسه ويحمي الأمن القومي السعودي ويحمي الأمن القومي المصري، كما أن النظام الأردني والملك عبد الله الثاني، أكثر المتحمسين للموقف الفلسطيني لأنه الدرع الواقي للعرش الهاشمي في الأردن، لذا فإن تحقيق التسوية السلمية كما يراها الفلسطيني هي عنصر استقرار للأمن القومي الأردني”.

وترى المصادر أن “القراءة المعمقة لعلاقة المسألة الفلسطينية بنظام المصلحة العربي، لا يمكن له أن يتجاوز مبادرة السلام العربي التي أعلنت من بيروت عام 2002، فالموقف الفلسطيني يمكنه أن يشكل رافعة وأن يكون السقف وأن يكون القاطرة في آن معاً” وبالتالي يجب النظر إلى المسألة الفلسطينية من زاوية المصلحة العربية المشتركة، فإن الموقف الفلسطيني لازال قويا وما زال قادراً على المواجهة وقادراً على فتح معركة سياسية ومواجهة دبلوماسية وشعبية إذا أحسن إدارتها، ولديه العديد من الفرص والأوراق الضاغطة.

فلسطين القدس

لكن ذلك لا يعني أن تدير الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع الدول الكبرى بالطريقة التي تديرها السلطة الفلسطينية نفسها، التي عليها أن تتصدر المواقف، وان تعلي الصوت بطريقة مختلفة عن الآخرين، فالحل العادل للصراع العربي – الإسرائيلي على قاعدة حل الدولتين، هو محط إجماع عربي ويشكل تقاطع مصلحي مشترك بين كافة الدول العربية، لذا تؤكد المصادر “بأن الموقف الفلسطيني، ليس في موقع الذعر أو الهلع من مواقف ترامب ونتنياهو، لا بل فإن احتمالات الصدام مع ترامب ونتنياهو قائمة وممكنة إذا نجح الفلسطينيين والعرب في إدارة تلك المعركة، فالقضية مشتركة وذات مصلحة واحدة وبعيدة كل البعد عن الشعارات الإيديولوجية”.

في هذا السياق ينعقد المجلس المركزي الفلسطيني في النصف الثاني من الشهر الجاري في رام الله، وعلى جدول أعماله مراجعة العملية السياسية المرتبطة بالحقوق الفلسطينية، وليست المرتبطة باتفاقية أوسلو ولا الاتفاقات الأخرى، فلدى القيادة الفلسطينية حاليا فرصة مهمة لإعادة ترتيب أوراقها التفاوضية، وإعادة ترتيب أشكال هجماتها السياسية على المسرح الدولي بما يضمن لها تحقيق إنجازات ونتائج ما كانت لتحققها سابقاً في أكثر من مكان، لتجاوز حالة اليأس التي وصلت اليها جراء سلوك الإدارة الأميركية وسلوك نتنياهو.

لكن الحذر ينتاب القيادة الفلسطينية من أن ينجح أصحاب المغامرة العسكرية، من إطلاق المزيد من الصواريخ التي قد تمكن نتنياهو من شن حرب جديدة على غزة أو الضفة الغربية، حيث تكمن الخسارة الكبرى في عسكرة الاشتباك الجماهيري السلمي وتحويله الى اشتباك مسلح التفوق فيه لإسرائيل، وبالتالي يقدم خدمة مجانية لنتنياهو ويعطيه كل أسباب وفرص الانتصار.

فوزي ابو ذياب- “الأنباء”